شضايا حول العدمية تأملات ومواقف
ايقونة بريس
ترجع العدمية في أفكارها إلى مسرحيات الإغريق القدامى، التي تصور الإنسان وتصارعه مع الأقدار وكأنه صراع ضد فكرة العدم.
ولكن ما هي العدمية
- يعرف نيتشه العدمية على النحو التالي: هناك تناقض بين العالم الذي يقدسه الغرب ويباركه، وبين العالم الذي يحيى فيه ويشكل واقعه الفعلي. وهذا التناقض يقتضي ترجيح أحد الموقفين: فإما التخلي عن العالم المفارق، وإما التخلي عن العالم المحايث الذي يشكل فضاء الذات الغربية؛ وليست العدمية في صورتها الأولى سوى اختيار الموقف الثاني. بيد أن هذا الاختيار ليس إراديا وإنما هواضطراري، إذ هو تعبير عن حالة سيكولوجية مرضية تتخذ ثلاثة مظاهر أساسية هي بمثابة أحكام مسبقة: المظهر الأول يتمثل في سعي الفرد إلى سحب الثقة من الصيرورة بل وإلى نفي وجودها. المظهر الثاني هو إدراك عدم خضوع الصيرورة لوحدة وكلية عليا أو لنظام صارم، وهذا ينتهي بالفرد إلى فقدان الثقة في الذات، وفي الكل الذي ينتمي إليه ويستمد منه قيمته. أما المظهر الثالث فهو نتيجة لتبخيس الذات والوجود وفي الوقت ذاته هو بديل عنهما: إنه اعتبار عالم الصيرورة والحياة بمثابة ظاهر ووهم، والاعتقاد في وجود عالم وراء الصيرورة هو العالم الحق. وهكذا فالعدمية –من الوجهة السيكولوجية- لا تعني العدم، أي لا تعني اللاوجود أو اللاقيمة أو حتى اللمعنى؛ بل هي “قيمة عدم”. والحياة تأخذ هذه القيمة بمقدار ما يجري نفيها وتبخيسها. والحط من قيمة الحياة يفترض وجود أوهام، لأنه بالوهم يحدث التزييف ويتحقق الحط من القيمة؛ بالوهم تتم معارضة الحياة الواقعية بحياة وهمية، بعد أن يتم تقديمها في صورة ظاهر فتأخذ بمجملها قيمة عدم. يقول نيتشه: “إن الأخلاق والدين يستندان كلية على سيكولوجية الخطأ، ففي كل حالة تختلط العلة بالمعلول: إما أن الحقيقة تختلط مع مفعول ما نعتقد أنه حقيقي، وإما أن حالة من حالات الوعي تختلط مع الخاصية العلية لهاته الحالة”. تعني العدمية إذن الطابع الإنكاري لإرادة الحياة وهيمنة صفة النفي على إرادة القوة. وهو نفس المعنى الذي يورده هيدغر حين يعتبر أن العدمية ليست رأيا مذهبا، وليست مجرد تاريخ ولا حتى بمثابة الخط الأساسي للتاريخ الغربي؛ وإنما هي منطق الحضارة الغربية وقانونها المتمثل في إرادة النفي الكامنة وراء تلك الحضارة.
- ويعد الشاعر والناقد جوتفريد بن 1886-1956م من أبرز العدميين الذين وضحوا معنى العدمية كمذهب أدبي ، إذ قال بأن العدمية ليست مجرد بث اليأس والخصوع في نفوس الناس بل مواجهة شجاعة وصريحة لحقائق الوجود.
- · يهدف الالتزام الأدبي للعدمية إلى النضوج الفكري للإنسان ورفعه من مرتبة الحيوان الذي لا يدرك معنى العدم.
- · تهدف العدمية إلى إلغاء الفواصل المصطنعة بين العلم والفن ، لأن العرفة الإنسانية لا تتجزأ في مواجهة قدر الإنسان ، وإذا اختلف طريق العلم عن طريق الفن فإن الهدف يبقى واحداً وهو : المزيد من المعرفة عن الإنسان وعلاقته بالعالم .
“نيتشه”، هناك حركة ذات شقّين في صميم العدميّة: أنّ القيم العليا للثقافة تنزعُ القيمةَ عن نفسها، وأن لا شيء هناك يحلّ محلها، وهكذا تنفتحُ الهاوية. فالإله ميّت، تاركاً فراغاً بنيويّاً، وعرشاً فارغاً، وقبراً خالياً، منساقاً في فضاء فارغ.
- إن اتهام العدمية بالسلبية وإشاعة اليأس ، يرجع إلى الخوف من لفظ العدم ذاته وهذه نظرة قاصرة ، لأن تجاهل العدم لا يلغي وجود من حياتنا.
- العدمية ليست مجرد إبراز الموت والبشاعة والعنف والقبح ولكن الأديب العدمي هو الذي ينفذ من خلال ذلك إلى معنى الحياة ، وبذلك يوضح بأن العدم هو الوجه الآخر للوجود ، ولا يمكن الفصل بينهما لأن معنى كل منهما يكمن في الآخر.
- تتشكل العدمية –حسب هيدغر- من عدة لحظات وتمر بعدة أطوار: تبتدئ بلحظة تأسيس القيم العليا، ثم لحظة تبخسيها وسخوفها، مرورا بلحظة الوجود الفارغ من المعنى والفاقد للقيمة، وانتهاء بالدعوة إلى تأسيس قيم جديدة تحل محل القيم البالية. وهكذا يمكن التمييز في العدمية بين أربعة أطوار أو أشكال أو معان:
رئيس التحرير - كاتب رأي
صحفي مهني وناشط حقوقي، متخصص في القضايا السياسية والاجتماعية. حاصل على شهادة في الحقوق ودبلوم في القانون الخاص. ساهم في عدة منصات إعلامية وشارك في ندوات دولية مع منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان. التفاصيل في الشفحة الشخصية :
⌈ https://bit.ly/3UntScc ⌉