مقابر الرباط

صرخة الأموات: أزمة المقابر تخنق الرباط

©أيقونة: هشام العصادي//

‏21‏/07‏/2024 

كيف وصلت الرباط، بتاريخها العريق وحاضرها المتطور، إلى هذا المنعطف الحرج؟ أزمة فريدة من نوعها، مثيرة ، حيث المقابر في عاصمة المملكة مكتظة حيث أصبحت مواقع الدفن مخنوقة .

في قلب العاصمة المغربية، تتصاعد أصوات صامتة، تناشد الأحياء بلغة لا يسمعها إلا من أرهف السمع. إنها صرخات الموتى، تتردد في أروقة مقابر الرباط المكتظة، حيث تضيق الأرض بساكنيها الصامتين.

في مشهد يكاد يكون سريالياً، تجد العاصمة نفسها في مأزق غير متوقع – أزمة مساحة للراقدين في سلام أبدي. فبينما تتسع المدينة لاستيعاب الأحياء، تتقلص قدرتها على احتضان من غادروا الحياة.

هي معضلة تجمع بين قدسية الموت وتحديات التخطيط الحضري، في صراع صامت يهدد بخنق المدينة بأكملها.

واقع مقابر الرباط: الاكتظاظ وضرورة التوسعة

كيف وصلت الرباط، بتاريخها العريق وحاضرها المتطور، إلى هذا المنعطف الحرج؟ وما هي الحلول المطروحة لمواجهة هذه الأزمة الفريدة من نوعها؟

 دعونا نغوص في تفاصيل هذه القضية التي تمس كل فرد، حيث تلتقي حتمية الموت بتحديات الحياة الحضرية الحديثة.

تُـعَـدّ المقابر من المرافق العمومية الضرورية لكونها تجسد احترام الإنسان الميّت وصيانة كرامته وحقوقه، كما تعتبر فضاء عموميا يستدعي الاهتمام والتنظيم .

ومع اتساع المجال الحضري الذي تشهده جميع المدن المغربية، أضحت المقابر تطرح إشكاليات تتعلق بطرق تدبير شأنها والمحافظة عليها.

وتشهد مقابر الرباط العاصمة الإدارية للمملكة إكتظاظا ملحوظا أضحى يشكل أزمة إنعدام مواقع لدفن أموات الساكنة الرباطية،

 بعدما تجاوزت هذه المقابر طاقتها الاستيعابية من الجثامين حيث أن كل من مقبرة باب لعلو ومقبرة الشهداء، ومقبرة حي يعقوب المنصور، ومقابر أخرى بحسان وأكدال ويعقوب المنصور والحي الصناعي أصبحت ممتلئة عن آخرها…

وفي ذات السياق ومن أجل وضع حل لهذه الأزمة كان المجلس البلدي للرباط قد أعلن سنة 2018 عن مشروع لتأهيل المقبرة الكبيرة بالرباط، والتي توجد بحي  النهضة ،

حيث تمّ العمل على توسعتها لتصبح حاليا المقبرة الكبرى للرباط، وفي هذا الإطار وقّـعت عمدة الرباط أسماء اغلالو، بتاريخ 28 فبراير2024، قرارا يقضي بفتح المقبرة الكبرى للرباط، والتي تتواجد في المجال الترابي لمقاطعة اليوسفية.

وفي ذات السياق أوضحت مصادر من المجلس الجماعي للرباط أن هذا المشروع خصص له وعاء عقاري مساحته 26 هكتارا، ويستوعب حوالي  5000 جثمان في السنة ،الشيء الذي سيمكن من استغلالها لمدة تتراوح بين 26 و30 سنة، بإعتبار أن 18 هكتارا من ضمن الهكتارات الـ26 للمقبرة عبارة عن هِـبة من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.

وقد تمّت تهيئة وتسوير 8 هكتارات منها، وجرى تعيين محافظ للمقبرة ، وحسب نفس المصادر تـمّ الإشارة إلى أن الهكتارات الثمانية المتبقية عبارة عن مِلكِية خاصة تعود لما يزيد عن 100 عائلة ممتدة، وأن المجلس الجماعي اعتمد قرار نزع الملكية في شأنها،

 وتمّ القيام بالإجراءات اللازمة مع المحافظة العقارية، كما سلكت كل المساطر القانونية لتعويض ذوي الحقوق وقد تـمّ إفتتاحها في مارس الماضي لاستقبال جثامين كل أنحاء المدينة العاصمة (تتسع ل 35 الف قبر) ،

وفي هذا الصدد أفاد بعض الفاعلين الجمعويين بالمدينة أن هذه المقبرة قد حلّت نِسبيا مشكلة الدفن بالرباط نظرا لكون بعض المقابر بأرجاء المدينة قد تـمّ إغلاقها بسبب الملء.

المقبرة الكبرى للرباط: حل جزئي لأزمة الدفن

وفي سياق آخر فإن الزائر إلى مقبرة الرباط المدينة سواء مقبرة باب لعلو، أومقبرة الشهداء، يقف بعينه على الحالة المزرية والمتردّية التي تعرفها هذه المقابر.

لقد تحوّلت مقبرة باب لعلو- الشهداء، إلى أطلال، أو أرض مهجورة تزرع الخوف،

مقبرة باب لعلو، تستقطب أعداد كبيرة من الجثامين حيث أضحت أرضيتها محفرة وممراتها جد ضيـّقة بسبب استغلال كل المساحات الفارغة ممّا يستحيل لأي زائر جاء للترحم، أن يمر من طريق إلى طريق ويتخطى القبور لكي يصل إلى القبر الذي يزوره للترحم أو للولوج لدفن الجثامين ،

 ومما يزيد الأمر سوءا تواجد ونموّ نبات أعـشاب متوحشة وكثيفة بين القبور تشكل عائقا للمرور،

 بالإضافة إلى الإهمال الذي طال العديد من القبور حيث تتحطم جدرانها.

وفي هذا الصدد ومن أجل التخفيف عن مقابر العاصمة أحدثث مقبرة أخرى في السنوات الماضية”مقبرة سيدي مسعود بحي الرياض وهي خاصة بالأغنياء الذين يسكنون الأحياء الفاخرة. 

تحدّيات تدبير المقابر وآفاق المستقبل

وختاما يمكن القول بأن مدينة الرباط عاصمة المملكة لازالت في حاجة الى المزيد من المقابرنظرا لاتساع أرجاء المدينة، والبحث عن مساحات أخرى ولعلّ العائق الأكبر لمواجهة ضيق المقابر بالرباط هو شح العقار الذي يحول دون توسيع وإحداث مقابر جديدة.

وهذه المسؤولية تقع على عاتق المجلس البلدي الذي يتعين عليه وضع استراتيجية بعيدة النظر لاحتواء الوضع خصوصا وأن العمران يتزايد بوثيرة كبيرة والكثافة السكانية أيضا في ارتفاع ملحوظ ،

كما يتوجب على المجلس البلدي ومجلس الجهة التخطيط  في إعادة تهييء المقابر القديمة وإحيائها وترميمها من جديد، وليس تسخير ميزانية ضخمة لترميم أقواس المدينة (باي لعلو-باب شالة- الملاح- ) هو كل شيء ، فهذا فقط المظهر الخارجي أما الداخلي فيعلم به الله.

على المسؤولين أن يقوموا بزيارة مقبرة باب لعلو للوقوف على ما مصلت إليه هذه المقبرة. وفي إطار البحث دائما عن حلول بديلة لحل معضلة أزمة المقابر كان المجلس العلمي الأعلى قد أصدر في مارس 2011 فتوى ارتأت فيها الهيئة العلمية المكلفة بالإفتاء” أن تتأنى في الأمر وتتروى فيه وألا تتعجل وتتسرع في الإفتاء بجواز الدفن على الطريقة الجديدة أفقيا .. قبرا فوق قبر، وأن يبقى الدفن على ما هو مقرر ومعلوم شرعا ومتعارف عليه اجتماعيا.

الكلمات الرئيسية: 

مقابر الرباط – أزمة المقابر – المقبرة الكبرى للرباط – تدبير المقابر، 

 

Print Friendly, PDF & Email
Author profile

 مرحبًا بك في موقعنا الإخباري المثير  " أيقونة بريس" ، حيث يتلاقى الحدث بالتحليل، والتقارير بالشغف. نحن هنا على مدار الساعة، جاهزون لنقدم لك أحدث الأخبار الوطنية والدولية، وليس فقط ذلك، بل نغوص أيضًا في عوالم الرياضة، الثقافة، والاقتصاد.

فريقنا المكون من صحفيين محنكين ليسوا فقط خبراء في مجال الإعلام، بل هم أيضًا روّاد في فن السرد. نحن نقوم بتحليل القضايا بشكل شيق ومثير، لنقدم لك تفاصيل لا تجدها في أماكن أخرى.