سكان أسفي حياتهم مهددة بسبب التلوث البيئي
أيقونة بريس: إعداد وتحقيق : صلاح الدين عابر //
21/02/2016 التحديث في 12:06:
على بعد أقل من 160 كيلومتر من القاعة التي سينعقد فيها مؤتمر قمة المناخ في مراكش هذه السنة وبحضور زعماء دول العالم، تعيش أزيد من 900 ألف نسمة من ساكنة مدينة آسفي والأقاليم المجاورة على ايقاع الهلع والخوف، جراء اقتراب انهاء أشغال إنشاء أكبر محطة حرارية تعمل بالفحم الحجري في هذه المدينة والتي انطلقت سنة 2014.
مشروع المحطة الحرارية لمدينة أسفي والمخاوف البيئية
ساكنة مدينة آسفي كما النشطاء والحقوقيين، متخوفون جدا من خطورة هذا المشروع، الذي أعلنت حكومة عبد الإله بنكيران عن توطينه في المدينة المذكورة وفي منطقة مأهولة بالسكان وبضبط في جماعة ” ولاد سلمان” ،
وقد جرى في 18 نونبر من سنة 2014 توقيع عقود الاستثمار مع عدة شركات وبنوك أجنبية حيث بلغ قيمة الاستثمار 2,6 مليار دولار،
وقال عنه وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة، عبد القادرة عمارة، أن مشروع المحطة الحرارية لمدينة أسفي، هو أكبر استثمار أجنبي من نوعه في المغرب”.
خطورة الفحم الحجري على ساكنة أسفي
يركز النشطاء على خطورة استخدام الفحم الحجري الذي تخلت عنه دول كبرى. يتحدثون عن الأثر البيئي لهذه المادة وكيف يمكن أن تؤدي إلى تسمم الهواء وتفاقم التغيرات المناخية.
غير أن ساكنة مدينة آسفي، و نشطاء مهتمون بالبيئة يحذرون من خطورة هذا المشروع الذي يقولون أن من شأنه أن ينهي الحياة بصفة نهائية في المنطقة،
بفضل استعمال مادة الفحم الحجري التي تخلى عنها العالم وتقود الدول الكبرى حمالات لإنهاء استخدامه في كوكب الأرض بشكل نهائي بكونه أخطر المواد التي ساهمت في انبعاتاث الغازات الدفيئة وأودت بحياة ملايين البشر نتيجة لكوارث صناعية وبيئية.
” الفحم ” قاتل مأجور..
في الوقت الذي أعلنت فيه أمريكا وفرنسا (٭ لم تف بوعدها ) وألمانيا وعددا من الدول الكبرى، تخليها عن الفحم الحجري عبر مراحل وإعلانه كمادة ” متخلفة” وتم وضع برنامج زمني لتوقيف العمل في مناجم استخراج هذه المادة،
الفحم والتطور التكنولوجي
ما فتئت ترتفع أسعار الفحم الحجري في العالم نظرا لحجبه من السوق الصناعية، وهو الشيء الذي سيدفع المغرب الذي يسعى لاستخدام مادة “عهد اختراع الآلة البخارية” في القرن الحادي والعشرين، لاستيراد هذه المادة التي تحتوي مواد عضوية قاتلة بأثمنة باهظة،
حيث سيدفع المغرب أضعاف أثمنة الطاقة الريحية والشمسية لفائدة الفحم الذي سيتحول في أي فرصة إلى ” قاتل ” دُفع له ثمن مقابل هذه المهمة.
الفحم الحجري عالميًا وتأثيراته المحلية
وعد سكان أسفي بالفحم النظيف والحقيقة كلام فارغ
وعلاقة بالمسؤولين المغاربة وخطورة الفحم الحجري، يقول المكتب الوطني للكهرباء والشركات المكلفة بإنشاء المحطة الحرارية إضافة للمسؤولين المحليين عن الشأن المحلي في آسفي،
أن هذه المحطة ستعمل بما أسموه بـ” الفحم النظيف”، لكن خبراء البيئة كانوا سباقين للتبوء بهذا الوصف الذي لوحظ في ما بعد أنه يُستعمل من طرف الحكومات التي تسعى لاستخدام هذه المادة مقابل التخفيف من هلع المواطنين والرأي العام،
من جهة أخرى كشف الخبراء على أنه لا وجود لما يُسمى بالفحم “النظيف”، ويعتبرون الوصف ماهو إلا ضربٌ من التمويه الخطابي.
ولهذا يُعد تلوث الهواء في الصين، الناجم في معظمه عن حرق الفحم الحجري، مسؤولا عن وفاة أكثر من مليون شخص سنويا دون متوسط العمر.
هذا فضلا عن آلاف الاشخاص الذين يلقون حتفهم في حوادث أثناء استخراج الفحم من المناجم في الصين وغيرها..
“معاناة الساكنة مع التلوث في مدينة آسفي”
“التأثير البيئي لشركة OCP وتدهور الصحة في المنطقة”
عانت ساكنة مدينة أسفي طوال عقود من التلوث الشامل الذي يسببه مركب كيمياويات المغرب ( OCP )، والذي تعتبره تقارير منظمات وجمعيات مدنية وحقوقية محلية أن بسببه دمرت الثروة الطبيعية في المنطقة.
وهاجرت الأسماك و صارت الأمراض المزمنة تلاحق المواطنين كمرض السل و هشاشة العظام و تساقط الشعر و التشوهات الخلقية لسكان المناطق المجاورة للمركب،وتشردت عاملات وعمال التصبير وآلاف البحارة ،
مما تسبب في هجرتهم من أجل تأمين لقمة العيش لأسرهم، فضلا عن وفيات العديد من عمال المركب الكيماوي بسبب السرطان بحسب تقارير نقابية،
كما تضررت المواشي و الفرشة المائية والبحرية بحيث يوجد أنبوب لهذا المركب يرمي مئات آلاف اللترات من النفايات في البحر.
“التلوث البيئي: أضرار المصانع الكبيرة في آسفي”
ذات التقارير ترى أن أسفي باتت مدينة مُهمشة و فقيرة مقارنة مع نسبة المساهمة الإجمالية للمنطقة في الناتج الوطني الخام بفضل تواجد أزيد من ثلاثة مصانع كبرى كمصنع الفوسفاط والجبص والأسمنت،
وإلى يومنا هذا ما تزال هذه الأضرار مستمرة إلى أجل غير مسمى، ناهيك عن المزبلة الكبيرة التي تنفث الروائح الكريهة و السامة والتي تصل سحب ادخنتها إلى أكبر الأحياء السكنية في المنطقة،
إضافة إلى الأخطار البيئية لمعامل الجبص ومعمل الاسمنت الذي يستخدم أفران تحرق العجلات المطاطية و واستعماله بدوره مادة ” الفحم الحجري ” وما يسببه من انبعاثات ضارة و سامة.
هكذا واجه " المسفيويين " وحش " المحطة الحرارية"
فور إعلان الحكومة توطين مشروع المحطة الحرارية في مدينة آسفي، دقت العشرات من الجمعيات المدنية التي تنشط في المناطق المجاورة من مكان إقامة المصنع (دقت) ناقوس الخطر،
واعتبرت أن مسلسل من الألاعيب تقوده الدولة يجري بتخطيط محكم للقضاء على المدينة وسكانها دون أي مراعاة لمصالح المواطنين، ذات الجمعيات مافتئت تحاول كشف التناقض بين خطابات الدولة وممارستها الفعلية،
“الاعتراض الشعبي والضغط لسحب المشروع”
إذ ذكرت العشرات من الجمعيات من منطقة ولاد سلمان وخط أزكان ومنطقة آيير ومناطق قروية أخرى، أن المحطة الحرارية هي نقيض لخطابات الملك محمد السادس وخاصة خطابه لعيد العرش لسنة 2010 الذي خصص فيه الملك حيزا للحديث عن التنمية المستدامة وفي صلبها المجال البيئي.
الجمعيات المذكورة استنفرت بعدما اكتشفت أن رماد الفحم الحجري سيتم طمره في منطقة آيير الفلاحية مما سينعكس ضرره بشكل مباشر على الثورة الفلاحية والفرشة المائية نظرا لاحتوائه على اخطر العناصر المشعة كالزرنيخ (L’arsenic).
"المخاوف المحلية: مشروع المحطة الحرارية في آسفي"
وفي وقت وجيز اجتمع أزيد من 30 تنظيم سياسي وحقوقي في مدينة آسفي لقرع جرس الانذار وتحميل مسؤولية الخطر للحكومة والسلطات المغربية، اذ تم تشكيل شبكة مكونة من عدة اطارات سياسية وحقوقية تحت اسم ” شبكة الدفاع عن البيئة وضد مشروع المحطة الحرارية” في 16 من فبراير 2014.
وفي أول بيان للشبكة التي ضمت كل من حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، والحزب الاشتراكي الموحد، وحزب النهج الديمقراطي، وحزب الأمة، وحزب البديل الحضاري،و الجمعية المغربية لحقوق الإنسان،والجمعية الوطنية لحملة الشواهد المعطلين بالمغرب، و منظمة أطاك المغرب- عضو الشبكة العالمية للجنة من أجل إلغاء ديون العالم الثالث،وجمعية أسفو للمدينة العتيقة- تنمية و تربية، المنتدى المغربي للنساء، وتنسيقية الأحياء لمناهضة غلاء المعيشة،
فضلا عن نشطاء في مجال البيئة، دعت إلى حملة شعبية عبر ارتداء ” قناع الأنف الواقي ” لتعبير عن استياء سكان المدينة من قرار توطين المشروع في 20 مارس من سنة 2014.
وهو النداء الذي انخرطت فيه قطاعات مهمة من عموم المواطنين في المدينة، إذ خرج السكان وفق سير حياتهم العادية وهم يرتدون القناع الواقي للأنف، كشكل من اشكال الاحتجاج و التعبير عن الضرر الذي تُعاني منه المدينة بسبب التلوث و كذا رفضهم لإقامة “مشروع المحطة الحرارية “.
مشاركة شباب المدينة في حملة ” قناع الانف الواقي “
وفي 29 من مارس ثم مرة أخرى في 21 سبتمبر تزامنا مع المسيرة العالمية للمناخ، خرج مئات من سكان المدينة لتظاهر بعد نداء وجهته ذات الشبكة للساكنة من أجل دق ناقوس الخطر،
وقال بيان للشبكة وزع أثناء الوقفة الاحتجاجية ” جاء قرار توطين “ محطة حرارية ” في مدينة أسفي تعمل بالفحم الحجري و هو من أخطر المواد، و يُصطلح عليه بـ “ الكربون الخفي ” و هو السبب الرئيسي في الانحباس الحراري،
وكأن هذه المدينة مزبلة، واعتبرت الشبكة أن المشروع حُددت له مشاورات وهمية ودراسة علمية متناقضة وتقرر إخراجه للوجود في غضون سنة 2016،
وأشارت منظمة “أطاك المغرب” لاحقا، أن الدارسة البيئية التي انجزت حول المشروع تعتبر المنطقة المأهولة بالسكان القريبة من المحطة الحرارية هي مدينة الدار البيضاء، متناسية أزيد من 900 ألف نسمة من البشر في المدينة والأقاليم المجاورة.
صراخ من أجل إنقاذ مدينة أسفي لم يجد أدان صاغية !
لم يزد نضال ساكنة مدينة آسفي حكومة عبد الإله بنكيران إلا تعنت ومقاوحة في توطين هذا المشروع ففي الوقت الذي اعلن فيه شباب مدينة آسفي تحرك ضد اقامة المشروع سارع بنكيران في الغد الموالي لعقد مراسيم توقيع عقود الاستثمار لبدأ اشغال الحفر والبناء لإنجاز المشروع،
وهو المشروع الذي يراه محسوبون عن حزب العدالة والتنمية إنجازا يحتسب للحكومة، بينما يعتبر حقوقيون أن مزايدة سياسية وحسابات حزبية يقودها بنكيران يمكنها ان تعصف بحياة الالاف من المواطنين.
ومن جهتها، نظمت منظمة ” أطاك المغرب “، ندوة علمية حضرها مهتمون بالمجال البيئي وحقوقيين وهيئات سياسية ومحامون لمناقشة الوضع البيئي في المدينة،
وذكرت أن سياسة ترحيل الرساميل وسيطرة الشركات متعددة الجنسيات على الموارد الأساسية ضمنها الطاقة في المغرب والماء، تجري عبر مسلسل طويل في المغرب،
وقالت أن المحطة الحرارية نموذج لهذه الحالة، وذكرت ” أطاك ” أنها في الوقت الذي طلبت من طرف اللجنة المشرفة على إعداد دستور 2011 بمقترحاتها،
قالت أن هناك مجالات أساسية لا يجب أن تخضع للخوصصة أو البيع والشراء، وأكدت الجمعية أن شركات متعددة الجنسيات تتحكم في قُوت المغاربة والماء والكهرباء ثم الهواء الذي يتنفسون منه،
ودعت المنظمة إلى تكتل جميع الأطر السياسية والجمعوية والحقوقية من أجل التحضير لمرافعة بأسس علمية ضد المحطة الحرارية في مدينة آسفي وخلق مزيدا من الضغط على الصعيدين الوطني والدولي لإلزام المغرب بسحب مشروع المحطة الحرارية في المدينة، قبل أن تحل الكارثة.
الكلمات المفتاحية:
مؤتمر قمة المناخ في مراكش – تلوث البيئة في آسفي – الفحم النظيف – مركب كيمياويات المغرب – مقاومة ساكنة آسفي – محطة حرارية تعمل بالفحم الحجري – تلوث البيئة والصحة – شبكة الدفاع عن البيئة – المحطة الحرارية – حكومة عبد الإله بنكيران
رئيس التحرير - كاتب رأي
صحفي مهني وناشط حقوقي، متخصص في القضايا السياسية والاجتماعية. حاصل على شهادة في الحقوق ودبلوم في القانون الخاص. ساهم في عدة منصات إعلامية وشارك في ندوات دولية مع منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان. التفاصيل في الشفحة الشخصية :
⌈ https://bit.ly/3UntScc ⌉