دفاعا عن الوكالة القضائية للمملكة كنيابة عامة مدنية

© أيقونة بريس: ذ. عبد المنعم محسني. باحث في سلك الدكتورة//

23 أبريل 2019 التحديث في 34: 09 //

انعقد، بمدينة فاس، المؤتمر الثلاثون لجمعية هيئات المحامين بالمغرب أيام الخميس والجمعة والسبت 18 و 19 و 20 أبريل 2019 تحت شعار: ” من أجل تشريع مستنير يحقق الولوج إلى العدالة”.


وعند اختتام أشغال هذا البرنامج تم الإعلان عن البيان العام للمؤتمر والذي تضمن العديد من التوصيات المتعلقة بجميع مناحي الحياة العامة الوطنية والدولية، السياسية والاجتماعية والمهنية؛ وهي التوصيات التي يجدر بالجميع تثمينها والانخراط في تحقيقها وإنجازها اعتبارا لكونها تعبر عن نبل رسالة المحاماة الإنسانية قبل المهنية وعن تفاني أصحاب هذه الرسالة في صيانة الحقوق والحريات والدفاع عن مبادئ العدل والإنصاف.

غير أنه بالرغم من أهمية هذه التوصيات، فإن البعض منها يستدعي منا كباحثين في العلوم القانونية الوقوف عندها ومناقشتها بكل تجرد وموضوعية مسترشدين في ذلك بمبادئ وأحكام القانون وفلسفته، وكذا بالقانون الدولي والمقارن بشأن المواضيع المرتبطة بها.

ولعل من أهم التوصيات التي يستدعي البحث العلمي والنقاش الفكري الوقوف عندها، توصيتين أساسيتين هما :
التوصية المتعلقة بغل يد الدولة ومرافقها في الدفاع عن مصالحها مباشرة أمام القضاء؛
التوصية المتعلقة بتحديد السن الأقصى دون استثناء في 45 سنة لولوج مهنة المحاماة.

أولا-/ بشأن توصية غل يد الدولة عن الدفاع القضائي المباشر.

أكد المؤتمر الثلاثون لجمعية هيئات المحامين في بيانه العام على توصية صريحة مفادها إلزام الدولة ومؤسساتها ومرافقها وجماعاتها بإبرام عقود واتفاقات مع محامين من أجل الدفاع عن مصالحها وحقوقها أمام القضاء.

إن هذه التوصية تحمل في مضمونها غل يد الدولة في الدفاع عن مصالحها أمام القضاء، وتلزمها بضرورة اللجوء إلى خدمات المحامون للقيام بذلك.؛ وهو الأمر الذي يطرح نقاشا عميقا، وخصوصا إذا علمنا أن قانوني المسطرة المدنية والجنائية وإن كانت تنص على حق الدولة في الدفاع عن مصالحها بواسطة مصالحها وموظفيها، فإنها تنص كذلك على أن الدولة تظل محقة في تكليف محامي أو محامون للقيام بمهمة الدفاع عنها في القضايا التي تكون طرفا فيها سواء بصفتها مدعية أو مدعى عليها.
وتبعا لذلك، فما دامت إمكانية استعانة الدولة بخدمات المحامي في الدفاع عنها أمام القضاء مسألة موجودة ومنصوص عليها قانونا؛ فلماذا إصدار هذه التوصية في المؤتمر الثلاثين لجمعية هيئات المحامين؟ لا يمكن الجواب عن هذا السؤال إلا بالرغبة في غل يد الدولة في الدفاع عن مصالحها وحقوقها أمام القضاء، ولا يجوز لها القيام بذلك إلا عن طريق اللجوء إلى نيابة المحامي.

وهذا الأمر فيه نقاش ويثير العديد من الملاحظات والانتقادات، اعتبارا لكونها تخالف أهم المبادئ القانونية والفلسفية لعلم تدبير المرافق العمومية توصية؛ كما أنها تجعل من المغرب يشكل حالة فريدة بالمقارنة مع التوجه الحديث للأنظمة المقارنة على مستوى تمثيل الدولة أمام القضاء، فضلا عن كونها تتجه في منحى مخالفة التزامات المملكة المغربية المعبر عنها في المصادقة على قرارات مجلس وزراء العدل العرب.

ونظرا لأهمية هذه الملاحظات في إجلاء الغموض واللبس عن الآثار القانونية لهذه التوصية في حالة تبنيها، فإنه يكون من المفيد تفصيلها وتعميق النقاش بشأنها، كما يلي :

الملاحظة الأولى : توصية تخالف مبادئ تدبير المرافق العمومية.

تؤكد مختلف الدراسات والأبحاث الفلسفية والعلمية المرتبطة بعلم الإدارة والقانون الدستوري، أن المهن الحرة تعتبر مرفقا عموميا، يعود الاختصاص الأصلي في تدبيره للدولة؛ كما أكدت الاجتهادات القضائية الوطنية والمقارنة على طبيعة المرفق العمومي الذي تتصف به هيئات المهن الحرة.

كما أكدت أيضا أن وظائف هذه المهن الحرة هي اختصاص أصيل للدولة، وأنها فوضته، من أجل تيسيير وتنويع الولوج لخدمات هذه المهن، للقطاع الخاص على أن تتولى تدبيره الهيئات المهنية تحت وصاية ورقابة الدولة؛ ومثل ذلك مهنة الطب والصيدلة والهندسة والترجمة والمحاسبة والمحاماة والتفويض القضائي؛ فهي مهن تقدم خدمات ترتبط بتدبير مرفق عمومي، يتمثل على التوالي في مرفق الصحة بالنسبة للطبيب والصيدلي، ومرافق التعمير والفلاحة والتجهيزات.. بالنسبة للمهندس، والمحاسب المعتمد والخبير المحاسبتي بالنسبة ومرفق المالية والاقتصاد والتجارة بالنسبة للمحاسب المعتمد والخبير في الحسابات، والمحامي والمفوض القضائي في مرفق العدالة.

فهذه الوظائف هي اختصاص أصيل للدولة فوضته للمهنيين من أجل مساعدتها في تقديم الخدمات المرتبطة بهذه الوظائف؛ وبالتالي فالهيئات المهنية تعتبر مفوض لها من طرف الدولة لتدبير ممارسة هذه المهن الحرة تحت وصاية الدولة ومراقبتها؛ ومثل ذلك وظيفة الطبيب والصيدلاني يتم تدبيره من طرف هيئة الأطباء وهيئة الصيادلة كل حسب اختصاصاه تحت مراقبة ووصاية الدولة؛ وبالتالي فإن الدولة هي صاحبة الاختصاص الأصلي وهي التي تملك المركز القانوني للمفوض الذي فوض تدبير مرفق عمومي لأصحاب المهن الحرة.

وتأسيسا على ما سبق، فإن أصحاب المهن الحرة كالطبيب والصيدلي والمهندس لا يحق لهم منع الدولة من تقديم خدمات التطبيب والدواء والهندسة بنفسها مباشرة، اعتبارا لكون هذه الوظائف تندرج ضمن الاختصاصات الأصلية للدولة؛ ونفس الأمر بالنسبة لمرفق العدالة الذي يعتبر مرفقا عمومية تعتبر الخدمات المتشعبة المرتبطة به خدمات عمومية تندرج ضمن الاختصاص الأصيل للدولة؛ مما لا يجوز معه للمحامي غل يد الدولة في الدفاع عن نفسها مباشرة أمام القضاء اعتبارا لكونها هي صاحبة الاختصاص الأصيل التي فوضت له مساعدتها في تدبير مرفق العدالة في جانبه المتعلق بالحق في الدفاع؛ ومن تم فلا يجوز أن يغل المفوض له يد المفوض؟ فلا يجوز للطبيب والصيدلاني منع الدولة من ممارسة مهنة التطبيب وصناعة وتوزيع الأدوية لأن مرفق الصحة هو مرفق عمومي؛ كما لا يجوز للمحامي منع الدولة من الدفاع عن حقوقها ومصالحها العامة مباشرة أمام القضاء.

ومن جهة أخرى، فالدولة هي التي تكون وتنتج أصحاب المهن الحرة من أجل مساعدتها في تدبير مرافقها العمومية؛ ومن تم فلا يجوز للفرع أن يقصي الأصل؛ إذ يظل تابعا له وخاضعا لوصايته ومراقبته؛ وبالتالي لا يجوز أن نسلب الاختصاص الكلي من الأصل لصالح الفرع.

الملاحظة الثانية : توصية تحجب النيابة العامة المدنية، وتجعل المغرب حالة فريدة.

أكدت مختلف الدراسات والأبحاث أن مرفق العدالة يرتبط ارتباطا جوهريا بالحق في التقاضي باعتباره من حقوق الإنسان المتعارف عليه دوليا، والتي تتكفل الدولة بحمايته وصيانته؛ كما أكدت أيضا أن الحق في التقاضي له وجهين متلازمين وليس متناقضين، أولهما هو الحق في اللجوء إلى القاضي الطبيعي الذي يمثله القضاة، أما الوجه الثاني هو الحق في الدفاع الذي تمثله الدولة فيما يتعلق بالحق العام، والمحامون فيما يتعلق بالحقوق الخاصة والتي يمكن للدولة أن تتكفل في جانب منه عن طريق المساعدة القضائية.

فمن جهة أولى، رغم أن المحامي يمارس مهام الدفاع القضائي في إطار حماية الحقوق الخاصة، فإنه مع ذلك يمارس هذه المهام تحت وصاية ومراقبة الدولة في شخص وزارة العدل؛ اعتبارا لكون الحق في الدفاع هو حق دستوري يرتبط بتدبير مرفق عمومي يعود الاختصاص الأصيل فيه للدولة، التي تقوم بتفويضه لهيئة المحامين.

ومن جهة أخرى، فإن منهجية وطريقة تمثيل الدولة عن الحق العام تختلف باختلاف الأنظمة المقارنة التي تفصل في غالبيتها بين الحق العام الجنائي الذي تدافع عنه الدولة عن طريق النيابة العامة، وبين الحق العام المدني الذي تدافع عنه الدولة كأصل عام عن طريق مؤسسة المحامي العام المدني الذي تختلف تسميته من دولة لأخرى.
وفضلا عن هذا، فقد شهدت مسألة الدفاع عن الحق العام المدني للدولة، تجادبا بين مدرستين منذ تاريخ قديم، المدرسة الأولى هي مدرسة التمثيل المركزي التي تقوم على أساس دفاع الدولة عن مصالحها وحقوقها وتمثيل نفسها بنفسها أمام القضاء دون إلزامية اللجوء إلى خدمات المحامي؛ والمدرسة الثانية تتمثل في مدرسة التمثيل الحر الذي تقوم على أساس الاستعانة بخدمات المحامي في الدفاع عن مصالحها وحقوقها المدنية أمام القضاء.

وفي هذا الإطار، أكدت الدراسات التي تعمقت في التأصيل والتطور التاريخي لهاتين المدرستين، أن غالبية دول العالم انتصرت لمدرسة التمثيل المركزي، لما فيها من إيجابيات فيما يتعلق بمركزة المنازعات العمومية، خاصة على مستوى تحديد مسؤوليات المنازعات العمومية وربط المسؤولية بالمحاسبة، وكذا على مستوى تحديد كلفة هذه المنازعات لارتباطها بمؤشرات قياس مبدأ سيادة القانون؛ ومن أمثلة هذه الدول تجدر الإشارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكندا التي يتولى فيها المحام العام « THE GENERAL ATTORNY » الذي يعتبر مستشارا قانونيا لرئيس الدولة ومكلفا بمهام الدفاع القضائي عن الحق العام المدني الذي يعود للدولة؛ ومن أمثلتها أيضا محامي الدولة في إيطاليا « AVVOCATURA DELLO STATO »؛ ومحامي الدولة أيضا في إسبانيا الذي يتولى مهمة وقاية الدولة ومرافقها من المخاطر القانونية بالإضافة إلى مهام الدفاع القضائي عن الحق العام المدني للدولة.

وفي هذا الإطار، نؤكد على أنه على مستوى البلدان العربية والإسلامية، فكلها تعتمد مدرسة التمثيل المركزي في الدفاع عن الحق المدني العام للدولة المتمثل في حقوقها ومصالحها المالية والاقتصادية؛ ونذكر على سبيل المثال لا الحصر دولة المملكة الأردنية الهاشمية التي أنشأت بموجب القانون رقم 28 بسنة 2018 إدارة قضايا الدولة تابعة لوزارة العدل تتولى مهمة الدفاع القضائي عن مصالح الدولة أمام القضاء والنيابة عنها في المطالبة بحقها العام المدني؛ إذ كانت قبل ذلك تسند هذه المهمة لما كان يعرف بالمحامي العام المدني التابع لنفس الوزارة؛ ومن أمثلة ذلك تتم الإشارة إلى إدارة قضايا الدولة بلبنان التابعة لوزارة العدل، وإدارة قضايا الدولة بقطر وإدارة الفتاوى والتشريع بالبحرين، وهيئة قضايا الدولة بمصر التي جعات منه مؤسسة دستورية، والإدارة العامة لنزاعات الدولة بتونس، ؛ وهذه الهيئات تمارس وظيفة النيابة المدنية العامة للدفاع عن الحق المدني العام أمام القضاء وهيئات التحكيم الوطنية والأجنبية؛ كما تتمتع هذه الهيئات في غالبيتها باستقلال وظيفي ومنها استقلال عضوي ووظيفي في أداء مهامها.

كما أكدت أن الدول التي ظلت محتفظة بالتمثيل الحر في الدفاع عن الدولة أمام القضاء أصبحت قليلة ونادرة، ومنها بلجيكا وفرنسا رغم أن هذه الأخيرة أصبحت تتخلى تدريجيا عن التمثيل الحر لصالح التمثيل المركزي؛ خاصة وأنها منذ وأن أنشأت الوكالة القضائية للخزينة « Agence juduciaire du trésor » بموجب المرسوم الثوري المؤرخ في 21 يوليو 1790؛ ومنذ هذه النشأة وهي تحمل هذه التسمية لمدة 222 سنة، وذلك إلى غاية سنة 2012 بحيث تم إعادة تسميتها بالوكالة القضائية للدولة « Agence juduciaire de l’Etat »، إذ أصبح اختصاصها يشمل من حيث المبدأ جميع المنازعات العمومية بعد أن كان مقتصرا فقط في المالية العمومية؛ وهي بذلك سائرة في اتجاه التخلي عن التمثيل الحر للدولة أمام القضاء.

وبالنسبة للمغرب، أحدثت الوكالة القضائية للمملكة سنة 1928 وتم إعادة تنزيلها بموجب القانون المؤرخ في 2 مارس 1953؛ بحيث تمارس مهام الدفاع المركزي عن الحقوق العامة المدنية للدولة أمام القضاء؛ مع إمكانية استعانتها بمحام، وهذه هي خصوصية النموذج المغربي، بحيث يجمع بين مدرسة التمثيل المركزي ومدرسة التمثيل الحر.

وقد أثبتت التقارير أن الوكالة القضائية للمملكة تمتلك مهنية عالية في الدفاع عن مصالح وحقوق الدولة أمام القضاء؛ إلا أنه بفعل المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والدستورية واتساع نطاق مسؤولية الدولة عن نشاطاتها وأعمالها التنفيذية والقضائية، بل وحتى عن أعمالها التشريعية في إطار الدفع بعدم دستورية قانون، أصبحت الحاجة إلى تطوير هذه المؤسسة وتعزيز قدراتها.

الملاحظة الثالثة : توصية تخالف التزامات المغرب في مجلس وزراء العدل العرب.

في إطار عضويته في مجلس وزراء العدل العرب التابع للجامعة العربية، صادق المغرب ممثلا في وزارة العدل على أكثر من عشر قرارات صادرة عن مجلس وزراء العدل العرب، تقضي كلها باعتماد وتنفيذ الدول الأعضاء لتوصيات مؤتمرات رؤساء هيئات وإدارات قضايا الدولة التي يعقدها المجلس في المركز العربي للبحوث والدراسات القانونية والقضائية التابع للمجلس.
إن التوصيات التي صادق عليها المغرب كل تؤكد على ضرورة تبني نظام التمثيل المركزي وتطوير عمل هيئات وإدارات قضايا الدولة وتمتيعها بالاستقلالية اللازمة في الدفاع القضائي عن الحق العام المدني ووقايته من المخاطر القانونية؛ بل وأكثر من ذلك فقد أكدت هذه القرارات على ضرورة مراجعة الأنظمة القانونية المنظمة لهذه الإدارات بما يوسع من اختصاصاتها لتشمل الحق العام المدني في جميع تجلياته ومراكزه القانونية؛ وكذلك بما يضمن الاستقلالية اللازمة واعتبارها كهيئات قضائية يكون لموظفيها نفس الضمانات القانونية الممنوحة للقضاة، وخاصة قضاة النيابة العامة.

وفي هذا الإطار، لا بد من التذكير أن المملكة المغربية استضافت وتولت تنظيم المؤتمر السادس لرؤساء هيئات وإدارات قضايا الدولة المنعقد بالرباط والمحمدية خلال الفترة الممتدة من 18 يونيو إلى 22 يونيو 2007؛ والذي أكد على ضرورة تطوير الوكالة القضائية للمملكة وتحويلها إلى هيئة قضائية مستقلة تتولى النيابة العامة المدنية في الدفاع القضائي عن الحق العام المدني، ووقاية مرافق الدولة من المخاطر القانونية والمنازعات القضائية والمساهمة في تكريس سيادة القانون.

كما يجدر التذكير أن الفريق الاشتراكي بمجلس النواب سبق له أن تقدم بمقترح قانون يقضي بإحداث هيئة قضايا الدولة، مرتكزا في ذلك على القرارات التي اتخذها المغرب في إطار مجلس وزراء العدل العرب، تتولى مهام الوقاية من المخاطر القانونية والنيابة العامة المدنية.

ومن جهة أخرى، فقد أكدت التقارير الرسمية على الحاجة الملحة لتطوير الوكالة القضائية للمملكة وتمتيعها بالاستقلالية اللازمة في مزاولة مهامها؛ ونذكر على سبيل المثال لا الحصر تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول المنازعات القضائية للدولة الذي أكد على أهمية النتائج المحققة من طرف الوكالة القضائية للمملكة، كما أكد على هول المنازعات العمومية الذي من شأنه أن ينخر المالية العمومية للدولة.

وقد تعهدت الحكومة الحالية في برنامجها الحكومي على ضرورة إعادة النظر في الإطار القانوني للوكالة القضائية للمملكة بما يمكنها من استقلاليتها ويعزز أداءها في مجال الوقاية من المخاطر القانونية والدفاع القضائي.

ثانيا-/ بشأن توصية الحدى الأقصى لسن الولوج لمهنة المحاماة :

نص البيان العام للمؤتمر الثلاثين لجمعية هيئات المحامين على توصية مفادها جعل الحد الأقصى لمهنة المحاماة هو خمسة وأربعين سنة (45 سنة ) دون استثناء.
وإذا كان القانون الحالي ينص على هذا الحد الأقصى فإن الاستثناء يتعلق فيه بالقضاة والأساتذة الجامعيون؛ الأمر الذي يستفاد معه أن هذه التوصية تهدف إلى منع هذه الفئات وفئات أخرى من مزاولة مهنة المحاماة بناء على التجربة المهنية، كما هو الشأن بالنسبة للموظفين العموميين الذي قضوا مدة عشر سنوات في الشؤون القانونية والمنازعات القضائية يكون من حقهم الولوج للقضاء مباشرة بصرف النظر عن سنهم، اعتبارا لتجربتهم المهنية؛ إلا أنه لا يحق لهم الولوج لمهنة المحاماة؛ وذلك في الوقت الذي يكون فيه للمحامي حق الولوج للقضاء بصرف النظر عن عامل السن.

إن هذه التوصية جاءت مناقضة لتقرير مجلس المنافسة لسنة 2013 الذي أكد أن القانون المنظم لمهنة المحاماة يسهل الاحتكام ولا يسمح للعديد من الفئات ولوج مهنة المحاماة؛ كما أنها تخالف العديد من الأنظمة المقارنة التي تربطها مع المغرب اتفاقيات التعاون القانوني والقضائي التي تسمح للمغاربة بممارسة مهنة المحاماة دون اعتبار عامل السن، فكيف سيشعر مواطن مغربي تحرمه المنظومة القانونية من مزاولة مهنة المحاماة بسبب تجاوزه الحد الأقصى للسن المحدد؛ في حين يسمح له بذلك في دولة أخرى لا يحمل جنسيتها ولا يشترط فيه سوى شروط الكفاءة العلمية والتكوين الجامعي.؛ كما أنه كيف سيشعر مواطن مغربي درس بجامعة مغربية وحصل على الدكتوراه في القانون ولا يسمح له بالولوج المباشر لمهنة المحاماة؛ في حين أنه إذا حصل على الدكتوراه في القانون في بلد أجنبي مثلا فرنسا يسمح له بمزاولة مهنة المحاماة؟.
إن هذه التوصية فضلا عن كونها تخالف تقرير مجلس المنافسة وتتجاهله، فلإنها تخالف أيضا بعض اتفاقيات التعاون القانوني والقضائي بين المغرب وبعض البلدان الشقيقة كفرنسا مثلا.

وأخيرا، فرغم أهمية التوصيات التي جاءت في البيان العام للمؤتمر الثلاثين لجمعية هيئات المحامين، فإنه لا بد من إعادة التفكير والنقاش الجماعي في هاتين التوصيتين، بما يعزز مكاسب مهنة المحاماة ويقويها مع مراعاة خصوصيات النيابة العامة المدنية التي تمارسها الوكالة القضائية للمملكة من خلال تعزيز التعاون فيما بينهما؛ وكذلك بما يراعي خصوصيات الاتفاقيات الثنائية والدولية بشأن التعاون القضائي والقانوني بين المغرب وبعض الدول الشقيقة، وكذا ما تتيحه منظومتها القانونية للمغاربة الراغبين في الولوج لمهنة المحاماة.