حلقات تربوية: الحلقة الأولى: السياسة التعليمية بالمغرب
ايقونة بريس- الرباط
الحلقة الأولى: السياسة التعليمية بالمغرب
لا تنفصل السياسة التعليمية بالمغرب عن مجمل المخططات التنموية التي أقرتها الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال إلى اليوم، بحيث شهد المغرب سبع مخططات (خماسية وثلاثية)[1]، وقد ظل التعلم – رغم كل الاصلاحات – على حاله إن لم نقل أنه يسير من سيء إلى أسوأ. وهو ما يشهد عليه تاريخ الاصلاحات السياسية والذي يقترن بالضرورة بإصلاح التعليم ففي معظم الخطابات الرسمية وغير الرسمية يكون خطاب الفشل حاضراً بشكل كبير، ولكي لا يبقى حكمنا مجرد حكم قيمة سنلقى الضوء على تاريخ اصلاحات التعليم بالمغرب لرسم صورة واضحة لما نرومه:
أ – أهم إصلاحات التعليم بالمغرب[2]:
سنركز هنا تحديدا على الاصلاحات التي عرفها النظام التعليمي بالمغرب بعد الاستقلال، لأن ما قبل الاستقلال يصعب الحديث عن نظام وطني موحد للتعليم[3]، كما يؤكد ذلك المكي المروني، وإنما عن تعليم تقليدي نخرته سلطات الحماية العامة، عبر الاقرار بنظام مزدوج، في إطار “مقولة التطور البطيء للمجتمع المغربي”[4].
1- إصلاح 1956 – 1963
2- إصلاح 1964 – 1972
3- إصلاح 1973 – 1983
4- إصلاح 1984 – 1999:
5- إصلاح 2000 – 2012:
بعد أن أعلن الملك الراحل اقتراب السكتة القلبية اواسط التسعينيات، لم يسلم قطاع التعليم من انتقادات لاذعة تركزت أساسا حول التوجيهات التي قدمتها مذكرة البنك الدولي حول المغرب لسنة 1995، والتي كانت الشرارة الأولى التي أطلقت نقاشات واسعة رسمية وغير رسمية وتشاورات وطنية بين مختلف المتدخلين والفاعلين في القطاع والمعنيين بالمسألة التعليمية، حيث تم انتداب لجنة ملكية لإصلاح التعليم سميت باللجنة الوطنية لإصلاح التعليم، وهكذا خرج في أواخر الألفية الثانية وثيقة “الميثاق الوطني للتربية والتكوين”، الذي دشن عشرية إصلاح جديد، طموح. وبعد مرور سبع سنوات من تطبيق وأجرأة بعض بنود الميثاق وما رافقه من تعديل النظام الاساسي لموظفي التربية الوطنية وإقرار مليون محفظة لدعم تمدرس التلاميذ… جاء تقويم المجلس الأعلى للتعليم ليضع الأصبع على الجرح من جديد، وهو التقرير الذي تلته مجموعة من الخطابات الملكية النارية حول التعليم. وبعد سنة من النقاش تم الحسم في إخراج مشروع البرنامج الاستعجالي 2009 – 2012: لتسريع وأجرأة ما جاء به الميثاق، وتفعيل مقتضياته.
ولا بد من التأكيد على أن هذه الإصلاحات عرفت عدة محطات :
- مناظرة إفران الأولى 1964؛
- مناظرة إفران الثانية 27 فبراير 1975؛
- اجتماع إفران 1978 لتخطيط التعليم؛
- مناظرة إفران 1980 – 1985؛
- خطة إصلاح التعليم (اللجنة الوطنية لإصلاح التعليم): 1994 – 1999؛
- الميثاق الوطني للتربية والتكوين؛
- البرنامج الاستعجالي 2009 – 2012.
-
غياب استمرارية للسياسات التعليمية المتبعة، وتغيرها من وزير إلى آخر، وكأن الدولة ليست لها سياسة تربوية لإصلاح منظومة التربية والتكوين، ناهيك عن معضلة القرار السياسي والتربوي وفي هذا الإطار يتوجب إقران المسؤولية بالمحاسبة، لذلك يقول عبد الله ساعف: “إن مجال السياسة العمومية المتعلقة بمجال التعليم غير محددة، والإطار الذي تنجز فيه الأشغال هو ايضا غير محدد، مما يخلق نوعا من الارتباط… فللسياسة التعليمية قواعد لمساءلتها… لا يمكن الحديث عن السياسة العمومية في مجال التعليم بغض النظر عن المواعيد والمقاييس المسطرة في هذا الإطار، وهناك مواقع لمتابعة السياسة العمومية (…) الفعل السياسي غير اعتباطي، ولا يمكن سن سياسة وتركها، الشيء الذي يخلق اختلافات يجب أن تكون هناك محاسبة ومتابعة ويجب العمل بهذا المفهوم لتقييم السياسة العمومية لمعرفة مدى نجاحها أو فشلها في كل المجالات”[5]؛
-
نهج سياسة تربوية متمحورة حول معارف جاهزة خدمة للاديولوجية السائدة، وهو ما تعبر عنه المناهج المدرسية المتبعة في بعض المواد وخاصة في الإنسانيات والاجتماعيات؛
- عزل التعليم عن حاجات المجتمع والسوق، وعدم إسهامه في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يعبر عن ضعف المجتمع والدولة معا؛
- إفراغ التعليم من روح المبادرة بتهميش الجدي منها، وعدم تشجيعها، وتنامي الخطابات التي تشير إلى أن التعليم يثقل كاهل الدولة، وتدعو إلى ترشيد النفقات (سياسة التقشف)؛ مما أفقد التعليم قيمته الاعتبارية في المجتمع المغربي؛
- عدم التمييز بين الاشكالات الهيكلية والبنيوية والتي تحتاج إلى خطط عمل استراتيجية لا تنفصل عن مخططات التنموية الجهوية والمحلية – بحيث لا يعقل التفكير في بناء مدن وأحياء حضرية كبرى بحجم مدن صغيرة دون التفكير في المرافق العمومية عامة والمؤسسات التعليمية خاصة – وبين الإشكالات التي يمكن التغلب عليها في خطط وبرامج قصيرة أو متوسطة المدى؛
- غلبة الطابع التقنوقراطي على إصلاحات التعليم بحيث ينشغل المخططون بالأرقام “إلى حد التضحية بالعناصر الكيفية للمشاكل (…) فنفس الملاحظات تتردد دائما في مختلف التقارير مع مر السنوات كأن الظروف البيداغوجية لا تعرف التطور أبدا: النقص في البنايات والتجهيزات والتأطير، كثافة المقررات، عدم ملائمة المضامين والطرق البيداغوجية، العدد المحدود للتكوينات المتوفرة… لا نجد في هذه التقارير شيئا يتعلق بما يجري في الواقع اليومي داخل المؤسسات التعليمية والفصول الدراسية، لا نجد شيئا عن سلوك وعلاقات وردود فعل التلاميذ والطلبة والمدرسين والعاملين بالإدارة، أي عن السير الحقيقي والواقع المعاش للنظام التعليمي”[6]؛
- تشجيع التعليم الخصوصي بما يخدم مصالح الطبقات المتوسطة؛
- تفكيك التعليم العمومي.
ب – السياسات التعليمية بالمغرب ومعضلة صنع القرار التربوي
يمثل القرار السياسي التربوي أهم القرارات التي يمكن أن تمس أجيالا من الشباب المتعلم وغير المتعلم، كما يمس الإدارة التربوية ومضامين السياسة التعليمية، لذلك فإن تناولنا هنا لمعضلة القرار التربوي يأتي لبحث دور هذا القرار في تنفيذ أو تعطيل أو توقيف السياسة العمومية في مجال التعليم. وتُصنف القرارات التعليمية وفقا لسياسات التعليم الرئيسية، وفي ضوء التوجهات المستقبلية للتعليم، ووفقا للحاجيات والمشكلات التعليمية، وكذا التغيرات الرئيسية في هيكل التعليم ومستوياته، أو قد تصنف وفقا لتنفيذ المهام المرتبطة بالقدرات الاستراتيجية والتكتيكية، وعلى هذا فهناك:
– قرارات تعليمية استراتيجية: “قرارات تحديد السياسة التعليمية، قرار ت تحديد الخطط التعليمية العامة، قرارات تمويل النظام التعليمي، قرارات تنظيم عمل القيادات التربوية، قرارات تنظيم أدوار ومسؤوليات قطاعات التعليم، قرارات خاصة بتطوير التعليم ونظم التقويم.
-قرارات تعليمية تكتيكية: هي قرارات قصيرة المدى: كتشكيل (أعضاء وقيادة) المجلس الأعلى للتعليم…
-قرارات تعليمية تنفيذية: تنفيذ القرارات المحددة في مستوى القرارات الأعلى، وضمان إجراءات التنفيذ بكفاءة وفعالية، وهذه القرارات روتينية تعتمد على الخبرات الإدارية والفنية للمدير وحدسه[7]…
ارتبط دوما القرار التربوي في المغرب بالقرار السياسي الذي تصنعه السلطة السياسية، حيث نجد الى جانب مسلسل الاصلاحات مناظرات ومبادرات ملكية موازية. ومع الميثاق الوطني للتربية والتكوين تم توسيع لجنة الاصلاح لتشمل بعض فئات المثقفين والباحثين والجمعويين والنقابيين، ولكنها على العموم فئة لها مصالح خاصة ومعينة لا تعكس بالضرورة الاختيارات الشعبية.
____________________________________________
[1] – المخطط التنموي الخماسي الأول (1960 – 1964)؛ المخطط الثلاثي (1965 – 1967)؛ المخطط التنموي الخماسي الثاني ( 1968 – 1972)؛ المخطط التنموي الخماسي الثالث (1973 – 1977)؛ المخطط التنموي الثلاثي (1978 – 1980)؛ المخطط التنموي الخماسي (1981 – 1985)؛ المخطط التنموي الخماسي (1988 – 1992)
[2] – يقصد بمفهوم الإصلاح: “تغييرا أو مجموعة من التغييرات المحدثة في النظام التعليمي من أجل أن يستجيب هذا النظام (أو يستجيب أحسن) لهدف أو أهداف معينة وتمس هذه التغييرات مكونا من النظام أو مجموعة مكونات”، المكي المروني، الاصلاح التعليمي بالمغرب 1956 – 1994، منشورات كلية الآداب الرباط، المغرب، الط 1، 1996، ص 11.
[3] – والذي يقترن ببناء جهاز الدولة الوطنية؛ الصراع حول السلطة، خلق مؤسسات تمثيلية. المروني ص 31.
[4] – المكي المروني، ص 18.
[5] – عبد الله ساعف: “اصلاح قطاع التربية والتكوين:، سلسلة المعرفة للجميع، أبريل / ماي 2001، ص 129 – 130.
[6] – المكي المروني، مرجع سابق، ص 224.
[7] – د. عبد الجواد بكر، السياسات التعليمية وصنع القرار، دار الوفاء للطباعة والنشر، مصر، 2002.
رئيس التحرير - كاتب رأي
صحفي مهني وناشط حقوقي، متخصص في القضايا السياسية والاجتماعية. حاصل على شهادة في الحقوق ودبلوم في القانون الخاص. ساهم في عدة منصات إعلامية وشارك في ندوات دولية مع منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان. التفاصيل في الشفحة الشخصية :
⌈ https://bit.ly/3UntScc ⌉