بين الاستقرار والركود مصير الجزائر “إفلاس دولة” ينذر بانفجار غير مسبوق
ايقونة بريس - اقللوش امحمد
عاشت الجزائر تاريخًا حافلًا بالأمجاد والبطولات، منذ انطلاق حرب التحرير الجزائرية ضد المستعمر الفرنسي، الذي شاركت فيه كل القوى الحية الجزائرية من شيب وشباب وأطفال وشيوخ حيث التفوا حول جبهة التحرير الجزائرية (FLNE) التي يتزعمها قادة جزائريين تشبعوا بأفكار تحررية، وقدمت الجزائر من أجل نيل استقلالها ميلون شهيد وشهيدة، واستطاعت النهوض من براثين التخلف والتخلص من بقايا الاستعمار خاصة في فترة حكم “هواري بومدين” الرائدة (1965/1978)، وخلال فترة الثمانينات التي تميزت ببداية التحول في المشروع الاقتصادي الجزائري، حيث بدأ التخلي التدريجي عن مشروع تنمية مستقلة وبداية اعتناق اقتصاد السوق، عرفت الجزائر صعود قوى متطرفة دينيا تسعى للوصول الى الحكم وتعبئة قواعدها من أجل ذلك، وشهدت الجزائر عدة أحداث واغتيالات لشخصيات عامة، وخلال التسعينات عرفت الجزائر حرب دموية أشعلتها قوى الإسلام السياسي المتمثل في جبهة الإنقاذ ، وقد راح ضحية هذه الحرب ألاف الجزائريين، وانتهت بإعادة الجيش لزمام الحكم واستيلاء “عبد العزيز بوتفليقة” على الحكم منذ 1998 الى يومنا هذا و هو على كرسي متحرك مند سنوات.
مسار بوتفليقة الى الرئاسة
عُين عبد العزيز بوتفليقة، ابن مدينة وجدة المغربية، في يناير 1999، كرئيس ثامن للجزائر منذ الاستقلال من قبل مؤتمر حزب جبهة التحرير الوطني، وقبل وصوله إلى كرسي الحكم، التحق بعد نهاية دراسته الثانوية بصفوف جيش التحرير الوطني الجزائري وهو ابن 19 سنة، كما لم يمنع سنه الصغير (26 سنة) وقامته القصيرة وجسمه النحيف من تعيينه وزيراً للخارجية خلفاً لمحمد خميستي الذي اغتيل أمام المجلس الوطني (البرلمان) سنة 1963، وبقي في هذا المنصب 16 سنة إلى ما بعد وفاة هواري بومدين.
بحلول شهر نونبر من سنة 2012، تجاوز خلال حكمه مدة حكم الرئيس “هواري بومدين” ليصبح أطول رؤساء الجزائر حكماً، والذي وصل إليه بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية سنة 1999 بنسبة 90,24% من الأصوات، ثم أعيد انتخابه في 2004 و2009 بفضل تعديل دستوري ألغي تحديد عدد الولايات الرئاسية باثنتين، وفي 23 فبراير 2014 أعلن وزيره الأول عبد المالك سلال ترشحه لعهدة رئاسية رابعة، وسط جدال حاد في الجزائر حول صحته ومدى قدرته على القيام بمهامه كرئيس دول، ليفاجئ الجزائريين مرة أخرى بإعلانه ترشحه للعهدة الخامسة.
بوتفليقة غداة الاستقلال
بادر بوتفليقة منذ ولايته الأولى إلى إعادة السلم للبلاد التي أنهكتها”ما وصف بـ “حرب أهلية” أسفرت عن حوالى 200 ألف قتيل، وفي سنة 1999، قدّم “بوتفليقة” قانون الوئام المدني للاستفتاء الشعبي، ثم ميثاق السلم والمصالحة الوطنية سنة 2005، (مع العلم أن المعارضين اعتبروه مجرد تبيض لجرائم المسؤولين داخل الجيش والمخابرات في الاغتيالات والمجازر) وهو ما سمح بإطلاق سراح ألاف الإسلاميين من السجون، وإلقاء السلاح بالنسبة لآلاف آخرين والعودة إلى الحياة الطبيعية مقابل “العفو عنهم” وعدم متابعتهم أمام القضاء، لكن ذلك لم يوقف الهجمات بصفة نهائية في البلاد، التي شهدت تفجيرات في 2007 ضد قصر الحكومة والمجلس الدستوري ومكتب للأمم المتحدة.
وواجه بوتفليقة خلال حكمه عدة أزمات سياسية، ففي 2001 ثارت منطقة القبائل المعروفة بمناهضتها للسلطة وبعد عشر سنوات اندلعت احتجاجات ضد غلاء المعيشة، تبعتها مطالب بتغيير النظام، فقرر تعديل الدستور في 2002 لتلبية مطلب “اعتبار الامازيغية لغة وطنية”، وهو احد مطالب منطقة القبائل، ولامتصاص غضب الشارع 2011 أعلن رفع حالة الطوارئ بعد 19 سنة من فرضها كما أعلن عن اصطلاحات سياسية تفاديا لتداعيات الربيع العربي، من خلال سن قوانين انتقدتها المعارضة بقوة واعتبرت انها تكريس لاستفراد الرئيس بالسلطة.
صحة بوتفليقة بين جدل العجز والقدرة
شكلت مرحلة دخول بوتفليقة المستشفى العسكري في باريس أول مرة سنة 2005، للعلاج من قرحة في المعدة، بداية لعبة “الظهور والاختفاء”، حيث أصبح اختفاؤه يثير الكثير من التساؤلات ويتسبب في انتشار شائعات حول وفاته، كما حدث عند نقله للعلاج في ابريل 2013 بسبب جلطة دماغية أبعدته عن الجزائر ثلاثة أشهر، وفي أول ظهور له بعدها، عاد إلى الجزائر على كرسي متحرك ليخضع لفترة نقاهة لم يعلن بعد خروجه منها، رغم ظهوره في التلفزيون الرسمي أثناء انعقاد مجلس الوزراء، أو عند توقيع ميزانية الدولة أو حين استقبال بعض زائريه.
وكان لخبر دخول الرئيس الجزائري المستشفى في باريس وقع القنبلة لمدة عدة شهور. وبدأ البعض يتكهن بشأن تقديمه الاستقالة، وآخرون طالبوا بتطبيق المادة 88 من الدستور التي تنص على أنه في حالة شغور منصب رئاسة الجمهورية بسبب مرض خطير ودائم للرئيس، يتولى رئيس مجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان) بالنيابة عن رئيس الدولة تسيير البلاد لمدة 45 يوما قبل تنظيم انتخابات رئاسية سابقة لأوانها، وفي الوقت الذي بدأ الجزائريون يتنبؤون بالنهاية السياسية لعبد العزيز بوتفليقة، ظهر هذا الأخير وهو جالس على مقعد متحرك يؤدي القسم بعد إعادة انتخابه بنسبة53،81 في المائة من الأصوات، لينطلق في رئاسة جديدة وعمره 77 سنة، رجع بوتفليقة إلى العاصمة الجزائرية، بعد 80 يوما من الاستشفاء والعلاج، لكن بعد أن قرر قبل بضعة أيام من عودته، عزل العقيد فوزي، الذي شغل منصب “مديرالمركز الجزائري للاتصال والنشر”، لمدة 12 سنة، والذي يعد فرعا تابعا للمخابرات الجزائرية، وكان يتحكم في رقاب الصحافة والإعلانات، وذلك بسبب عدم نجاحه في وقف واحتواء الشائعات التي تم ترويجها حول بوتفليقة، التي كان بعضها يقول إنه في غيبوبة، وبعضها الآخر يذهب إلى حد الحديث عن موته.غير أن هذا العزل لم يكن سوى مقدمة لإعادة هيكلة لأجهزة الاستخبارات لكونها تعارض عهدة رئاسية رابعة لبوتفليقة، وبداية إجراءات تنبئ بمسار مجهول للديمقراطية الجزائرية، استمر بوتفليقة في مسلسل الظهور والاختفاء وتعديل وتغير القوانين، الى أن أعلن مدير حملته الانتخابية “عبد الغني زعلان” وزير النقل والأشغال العمومية ترشحه للعهدة الخامسة بعد أن صرح بممتلكاته، حيث يلزم قانون الانتخابات الجزائري كل مترشح للرئاسة الإعلان عن كافة ممتلكاته، وذالك رغم خروج مئات الآلاف من الجزائريين في مظاهرات حاشدة رافضة لاستمرار بوتفليقة في الحكم.
إجراءات لما بعد مرحلة بوتفليقة
لم يكن لحالات “ألا استقرار” التي تعرفها الجزائر بسبب مرض رئيسها، أن تمر دون اتخاذ مجموعة من القرارات والإجراءات الاحترازية، كالتي دعت إلى مراجعة الدستور، تلها تعديل حكومي، لتتوال الإعفاءات والمتابعات في حقق عدد من الفاعلين السياسيين، وتم تشذيب وتقليم سلطات مديرية الاستخبارات والأمن، وشهدت الوزارات (القضاء والاتصال والداخلية) تعيين رجال معروفين بولائهم لرئيس الدولة، بالموازاة مع ذلك، يتم الترويج لكون المؤسسة العسكرية تساند وتدعم الرئيس.
وفي نفس الوقت يتم على قدم وساق توفير الأجواء الملائمة للانتخابات الرئاسية المقبلة، عن طريق منح صلاحيات لمن لا تظهر عليه ملامح منافس قوي في الانتخابات الرئاسية، ويريح السلطة من أي تقلبات اجتماعية محتملة، من اجل كسب وقت كافي لهندسة صناعة الرئيس المقبل للبلاد، بما يفيد إرادة إبعاد كل المرشحين المحتملين للرئاسة في انتخابات 2019 من الواجهة، خصوصاً عبد المالك سلال وأحمد أويحيى، وفي غضون أشهر، سينتقل النقاش السياسي في الجزائر إلى موضوع الانتخابات الرئاسية، وستحول الحكومة تركيزها باتجاه ضبط التفاصيل المتعلقة بهذا الاستحقاق السياسي الحاسم، فيما تتركك ملفات الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في درج الانتظار إلى ما بعد استحقاقات 2019.
هل فكر بوتفليقة يوما ما في الانسحاب
سبق لعبد العزيز بوتفليقة أن لمح في أكثر مناسبة إلى احتمال انسحابه من الحكم، المرة الأولى كانت سنة 2007، عندما كلف شخصية سامية بالتفكير في المرحلة الانتقالية، بينما اقتنت رئاسة الجمهورية عبر السفارة الجزائرية في سويسرا إقامة كبيرة في جنيف مقابل 25 مليون أورو، لتكون منتجعا للرئيس المنسحب، غير أنه تم التخلي سريعا عن مشروع المرحلة الانتقالية، في ما كنت الإشارة الثانية بعد أسابيع قليلة من انطلاق الربيع العربي بعدد من الدول المجاورة، فقد جمع بوتفليقة بالإقامة الرئاسية، رئيس وزرائه والأمين العام لـ”جبهة التحرير الوطني” وكذلك رئيسي غرفتي البرلمان، وقال لهم باختصار «قدموا لي دستورا جديدا يحد من الولايات الرئاسية ويقوي من صلاحيات الحكومة»، مضيفا “سأغادر الحكم”. غير أن الأمور ضلت كما هي الى سنة 2012، ليلة الانتخابات التشريعية حيث وقف أمام آلاف الأشخاص، شددا على أن جيله احتكر الحكم منذ الاستقلال وبأنه أنهى مهمته، إلا أن الشعب الجزائري وقع تحت تأثير الصدمة لما قدم ترشيحه لولاية رئاسية خامسة، رغم وضعه الصحي وتقدمه في السن، وكذا حصيلة حكمه المثيرة للجدل، خاصة وأن إعلان الترشح للولاية الرابعة تم بطريقة وصفها المتتبعون بالوكالة، على اعتبار أن الإعلان تم من طرف رئيس الوزراء عبد المالك سلال، الذي يفترض أنه رئيس لجنة تنظيم الانتخابات الرئاسية، والذيتحول إلى ناطق باسم الرئيس الراغب في الترشح، نفس الشيء بالنسبة للولاية الخامسة التي أعلن عن ترشحه لها عن طريق مدير حملته الانتخابية “عبد الغني زعلان” وزير النقل والأشغال العمومية.
ومع دخول الولاية الرابعة للرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة (81 سنة)، عامها الأخير، أشارت صحيفة جزائرية(le soirdalgerie) أنه قبل أكثر من سنة من موعد الانتخابات الرئاسية الجزائرية، دخلت أربعة شخصيات وطنية غمار المنافسة على الرئاسة بشكل غير رسمي، وهم الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة، واللواء المتقاعد على غديري، وهناك أيضا رئيس جبهة المستقبل عبد العزيز بلعيد الذي سبق أن نافس بوتفليقة على الرئاسة عام 2014، لكنه حل في المركز الثالث بنسبة 3% من الأصوات.
وفي المقابل سبق وأن أعلنت حركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي في الجزائر)، عن أربعة خيارات للتعامل مع الانتخابات الرئاسية الجزائرية المقررة خلال ابريل أو ماي من العام الجاري، في مقدمتها دعم مرشح توافقي بين السلطة والمعارضة، أو المشاركة بمرشح من داخل الحركة، أو اللجوء الى خيار المقاطعة الذي تبقى حظوظه أكبر في حال ترشح الرئيس (عبد العزيز بوتفليقة) لعهدة خامسة.
نظام الحكم بالجزائر..صلاحيات واسعة ونظام الحكم الوحيد
وفق الدستور الجزائري، يحتل رئيس الجمهورية هرم السلطة التنفيذية، مما يمنحه صلاحيات واسعة جعلته يمثل مركز ثقل النظام السياسي بالجزائر، رغم تنصيصه في نفس الوقت على التعددية السياسية والمؤسسة البرلمانية، لكن يبقى الحسم للرئاسة فيما يخص العلاقة بين المؤسسة التنفيذية والمؤسسة التشريعية، كما لا يزال الحزب الوحيد الممثل في جبهة التحرير الوطني الحاكم في الجزائر منذ الاستقلال، ورغم أن الدستور الجزائري لا يقدم أي دور سياسي للجيش بشكل ظاهري على الأقل، لكن مما لا شك فيه أن المؤسسة العسكرية لها فعلا موقع بارز في النظام السياسي الجزائري، يظهر جليا في تدخل الجيش في انخراط عدد من القيادات العسكرية بحزب جبهة التحرير الوطني، بالإضافة إلى سطوة جهاز المخابرات الجزائري على الحياة السياسية والمجتمعية.
وتتجسد المعارضة الجزائرية في القطب الإسلامي، وأحزاب علمانية وكلها تدعوا إلى التغير، لكن لكل منهم رؤية مختلفة وتصورات متباينة للطرق الكفيلة بتحقيق ذلك، مما يطرح تساؤلات حول مستقبل النظام الجزائري في ضل مخاض سياسي مدني عسير، وفي ضل وجود ثروات طبيعية هائلة، وتغير التحالفات الجيو-سياسية.
مقومات اقتصادية تكشف سوء التدبير
تملك دولة الجزائرية موارد نفطية ضخمة تدرّ عليها مداخيل مالية مهمة، حيت يرتكز الاقتصاد الجزائري على الثروات النفطية والطاقية بالأساس، والتي تمثل %60 من الميزانية العامة، و%97 من حجم الصادرات، وتحتل الجزائر المرتبة 15 عالميا في احتياطي النفط بما يقارب 45 مليون طن، والمرتبة 18 من حيث الإنتاج، و12 من حيث التصدير، كما تقوم بتكرير نصف موادها البترولية الخام، مما يجعلها من الدول الأساسية في منظمة أوبيك. بالإضافة إلى ذلك فالجزائر تملك ثروات مهمة من الغاز، حيث تحتل المرتبة 5 من حيث الإنتاج والمرتبة 3 في التصدير في العالم، بعائدات مالية تقدر بمليارات الدولارات. وتجود ارض الجزائر بالثروات المعدنية، حيث تتوفر على كميات مهمة من الحديد والزنك والرصاص والرخام وأيضا معادن ثمينة مثل الذهب والماس واليورانيوم، ناهيك عن توفرها على واجهة بحرية تقدر بإثني عشر ميلا، كما أن ما نسبته %3 من أراضيها الشاسعة (2,381,741 كلم) هي صالحة للزراعة، علاوة على ذلك فقد عزمت الجزائر مؤخرا على استغلال الغاز الصخري، الذي تحتل فيه المرتبة الثالثة عالميا في مخزون الاحتياط.
ورغم كل هذه المقومات إلا أن الجزائر تعاني بحدة من سوء توزيع الثروة بين مختلف أفراد الشعب، حيث لا تنعكس الموارد المالية المحصلة من النفط والغاز على مستوى التنمية المحلية، ما يؤدي إلى احتقان اجتماعي واقتصادي في الأوساط الشعبية، بسبب انتشار الفقر والبطالة بشكل موغل، يبرز أحيانا على شكل احتجاجات عفوية ومنظمة، كما حدث مؤخرا مع ساكنة “عين صالح” جنوب الجزائر الذين رفضوا استغلال آبار الغاز الصخري،حفاظًا على البيئة وصحة الساكنة.إلا أن الجزائر تنوي بدء الاستغلال الفعلي للغاز الصخري في سنة 2020، حيث ستشرع أولى الحقول في العمل، ويرتقب في السنة ذاتها تحصيل 40 مليار متر مكعب، أي ما يعادل 40% من إنتاج الغاز الطبيعي في الوقت الراهن.
لماذا لا يتمرد الجزائريون
يمكن اعتبار ما مرت به الجزائر من اضطرابات سياسية حادة خلال فترة التسعينات، من مبررات عدم انخراط الشعب الجزائر في سيرورات النضالات الجارية على المستوى الإقليمي، وحتى إن تزحزح الجزائريون من مكانهم فهم لا يطالبون بتغيرات سياسية حادة أو عنيفة، مما يعكس ميول الجزائريين إلى الاستقرار باعتباره الرهان الأكثر أمانا، إلا أن سياسات التقشف الاقتصادي، والخيبات السياسية، مع إعادة التقويم الهيكلي للاقتصاد ليكون في خدمة “مناخ الأعمال” والقضاء على ما تبقى من دولة الرعاية الاجتماعية، سيمس بشكل كبير بالمكاسب الاجتماعية التي بدأت إلى حد كبير تتأثر بآليات السوق، فمنذ ثلاث سنوات والجزائر تعيش أزمة اقتصادية، جراء تراجع أسعار النفط، وتقول السلطات الجزائرية إن البلاد فقدت أكثر من نصف مداخيلها من النقد الأجنبي، التي هوت من 60 مليار دولار في 2014 إلى قرابة 32 مليار دولار في 2017.كل هذه العوامل قد تغير الحسابات وقد يلجأ الجزائريون بالفعل للاحتجاج في الشارع، ليس فقط من أجل لقمة العيش، بل أيضا من أجل تحديد مسار ديمقراطي طال انتظاره يتوج بانتخابات حرة ونزيهة، وتجاوز لامركزية، وانتزاع صلاحيات برلمانية أكبر.
الجزائر بلد قابل للانفجار في أي لحظة
يجمع المتتبعين لشأن السياسي الجزائري، أن السّلطة هناك لم تقم بأي إصلاحات سياسية حقيقية وعميقة من شأنها تحقيق الديمقراطية ومطالب الحريات والشغل والسكن، والعيش الكريم، فلازالت الجزائر تسير في طريق خوصصة جميع قطاعاتها العمومية، لكن هذه المرة بصيغة جديدة، أطلق عليها “الشراكة بين القطاعين العام والخاص”، وذلك بعد أن عجزت الدولة عن تمويل القطاع العمومي، مما جعل المؤسسات الخاصة تستهدف كل مؤهلات القطاع العام، بما فيها المنشآت وآليات الإنتاج وبالخصوص الأوعية العقارية التي يحتاجها القطاع الخاص، مما زاد من تغول واحتكار عدد قليل من رجال الأعمال في زمام الاقتصاد الجزائري، فقد عرضت الحكومة على رجال الأعمال شراء 64 في المائة من رأس مال شركات اقتصادية عمومية في شركات الصناعات الغذائية، ثم المؤسسات الفندقية وشركات مواد البناء في مرحلة أولى، قبل الوصول إلى الشركات الكهرو- منزلية والكهربائية، كما تستمر موجة التوسع في فرض الضرائب، (ضرائب على العقارات، والتبغ والكحول) وتقليص الإنفاق العام، (تقليص ميزانية التسيير إلى نحو 10%،)، من أجل زيادة الإيرادات العامة، وخفض العجز العام في موازانتها لعام 2018، رغم أن الجزائر تعيش في أزمة مالية منذ انهيار أسعار النفط عام 2014، إذ إن البلاد تعتمد بشكل رئيسي على الإيرادات النفطية. وبحسب الأرقام، فإن موازنة 2018 تستهدف الحصول على إيرادات مالية تقدر بنحو 6521 مليار دينار (56 مليار دولار)، في المقابل، فإن الإنفاق يصل إلى نحو 8628 مليار دينار (76 مليار دولار)، ما يعني أن العجز يقدر بنحو 20 مليار دولار.
في نفس الوقت ترتفع وثيرة الاحتجاجات والإضرابات خاصة في منطقة القبائل، منذرة باحتقان اجتماعي، كما يحتج ألاف الأطباء للمطالبة بإلغاء الخدمة المدنية المفروضة عليهم للعمل في المناطق البعيدة بعد إتمام الدراسة، وتندلع بين الفينة والأخرى احتجاجات غاضبة تنديدا بارتفاع الأسعار وبالزيادات الضريبية، تقابلها الدولة بالمنع والقمع لـ”إجهاض” العديد من المطالب الاجتماعية التي تسير في خط تصاعدي، بسبب الأزمة التي تواجهها البلاد.وسط مخاوف من أن تصل الحركة الاحتجاجية إلى مدينة تيزي وزو – عاصمة منطقة القبائل المعروفة بحساسيتها الشديدة. بل وصل الأمر إلى حد تصريح وزير الداخلية بأن الدّولة قد لا تستطيع دفع أجور موظّفيها في حال استمرار الضائقة المالية، وستضطّر الدولة للاستدانة الخارجية وطلب القروض من هيئات وشركات جزائرية وأجنبية.
هكذا تسبب الفشل في التسيير، وتضارب المصالح، وانتشار الفساد، إلى إرجاع البلد لنقطة البداية، بسبب عدم قدرت المسؤولين على التحرك بما يمكّنه القضاء على تلك الأزمات، وتوفير بدائل آنية من أجل تسيير الوضع، بدل إطلاق وعود وشعارات صار تحقيقها مستحيلا نظرا للظّروف الحالية، بل أكثر من ذلك دخل البلد في أزمة نظام عميق، بل أسماها البعض ب”أزمة اللّانظام”، فالجزائر اليوم تسير بدون رئيس فعلي.
_____________
– ويكيبيديا: https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1
– منظمة اوبيك : https://ar.wikipedia.org/wiki/أوبك
-الصحيفة :http://www.lesoirdalgerie.com/articles/2018/01/14/article.php?sid=525&cid=2
رئيس التحرير - كاتب رأي
صحفي مهني وناشط حقوقي، متخصص في القضايا السياسية والاجتماعية. حاصل على شهادة في الحقوق ودبلوم في القانون الخاص. ساهم في عدة منصات إعلامية وشارك في ندوات دولية مع منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان. التفاصيل في الشفحة الشخصية :
⌈ https://bit.ly/3UntScc ⌉