الملكة

الملكة إليزابيث الثانية تملك ولا تحكم

©أيقونة بريس: هيئة التحرير //

‏09‏/09‏/2022 التحديث في 45:18 //

“لقد أصبحَتْ بالنسبة إلى الكثيرين النقطة الثابتة الوحيدة في عالم سريع التغيّر مع تراجع النفوذ البريطاني، وتغيّر المجتمع بشكل يتعذّر معه إدراكه ودور الملكيّة نفسها قد أصبح موضع تساؤل”.

بهذه الكلمات، نعت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” الملكة الراحلة إليزابيث الثانية مظهرة أنّ للملكة تأثيراً في الحياة السياسية، وإن كانت “تملك ولا تحكم”.

خلال فترة توليها العرش، فقدَ الدور البريطاني بوصلته الدوليّة بشكل تدريجيّ. ما كان يوماً إمبراطورية “لا تغيب عنها الشمس” تحوّل إلى دولة أنهكها الشلل السياسي والحيرة بين الانتماء إلى هوية أوروبية ومحاولة البحث عن أخرى عالمية.

لكنّ تلك التحوّلات، إلى جانب طول فترة حكمها، أكسبتها خبرة مكّنتها من إسداء النصائح لكبار السياسيين. بحسب جيمس فورسيث من مجلة “سبكتَيتور” البريطانية، تمتّعت بمعرفة منقطعة النظير بالتاريخ السياسي البريطاني الحديث.

كان ونستون تشرشل أول رئيس للوزراء في عهدها، وكانت ليز تراس آخرهم (وثالث امرأة تترأس الحكومة البريطانية).

وسط التغيرات الاجتماعية والتكنولوجية البارزة التي شهدها عهدها، ظلّت الملكة الراحلة “صلة وصل بين الماضي، الحاضر، والمستقبل”.

عبرت #بريطانيا مراحل تكنولوجيّة عدّة في عهدها. من الشاشات التي تبثّ أخباراً متأخّرة بالأسود والأبيض إلى تحوّل كلّ مواطن إلى مصدر للخبر للمباشر،

عاصرت الملكة إليزابيث حقبات متعدّدة، على قاعدة أنّ كلّ اختراع يرسم حقبة خاصة به.

ربّما تتأثّر الديموقراطيات أكثر من غيرها بالآثار السياسية التي تتركها اختراعات معيّنة. لو حصل الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون وسائل تواصل اجتماعي، لأمكن أن تكون البلاد لا تزال إلى اليوم في النادي الأوروبي.

وظيفة رئيس الدولة،،وحياد الملكة:

إنّ جزءاً كبيراً من وظيفة رئيس الدولة هو ببساطة “أن يَظهر”، بحسب تعبير جوناثان فريدلاند في صحيفة “الغارديان”. لكنْ ثمّة جزء آخر مكمّل.

لقد تمكّنت الملكة من جعل الحياد المتأنّي يبدو سهلاً: عدم قول أو فعل أي شيء.

غير أنّ الملك الجديد، تشارلز الثالث، برهن أنّ هذا الأمر أصعب ممّا يبدو وفقاً لفريدلاند: “لا يتطلّب تحديد موقع الأرض المحايدة ضبط النفس الذي استعصى دائماً على تشارلز وحسب، ولكن أيضاً معرفة حميمة بالتضاريس”.

لا يعني ذلك أنّ الملكة كانت دائماً محايدة. وقفت الراحلة مع الكومنولث، وضدّ رئيسة الحكومة مارغريت تاتشر، في فرض عقوبات على جنوب أفريقيا بسبب سياسة الفصل العنصري.

لكنّها لم تأتِ على ذكر كلمة واحدة عن الموضوع بل تسرّب الخبر عبر أحد المصادر المقرّبة من الملكة إلى صحيفة “صنداي تايمس”، على ما أوضح الكاتب نفسه.

احتراف الملكة:

كان عدم إكثار الملكة من الكلام علامة فارقة في عهدها. أحاط ذلك شخصيّتها بنوع من الغموض.

ومن المؤكّد أنّ ذلك ساعدها في تخفيف المشاكل المحتملة مع 10 دوانينغ ستريت. لكن بحسب مجلّة “إيكونوميست”، يتحدّث الذين أمضوا وقتاً معها عن ذكائها الحاد ومرحها أيضاً.

مجدّداً، لم يكن دورها سهلاً، أقلّه بالنسبة إلى ما قد يتبادر سريعاً إلى الأذهان للوهلة. يشمل الدور الملكيّ البقاء الدائم أمام أعين الجماهير مع الإبقاء على سرّيّة وجهات نظرها.

فأي إشارة إلى الانحياز يمكن أن تقوّض قدرتها على تمثيل جميع مواطنيها، وفقاً للمجلّة البريطانية نفسها. “بدلاً من ذلك، بدت دوماً مهتمّة، من دون أن تقول أيّ شيء يثير الاهتمام. ساعد هذا الاحتراف الراسخ في ضمان بقاء النظام الملكيّ البريطانيّ”.

نادراً ما خرجت الملكة عن صمتها في القضايا السياسية العامة. لكن حين كان الموضوع غير إشكاليّ خصوصاً على المستوى الداخليّ، لم تجد حرجاً في إبداء الرأي.

حين زارت بورصة لندن بعد الأزمة المالية سنة 2008، تساءلت عن سبب عدم تمكّن أحد من استشراف الكارثة.

وقبل القمة السادسة والعشرين للمناخ في غلاسكو سنة 2021، سمع البعض أنّها كانت منزعجة بسبب غياب أي تحرك جدي لمكافحة التغيّر المناخيّ.

وفي 2014، توجّهت بكلمة صيغت بعناية إلى الاسكتلنديين (والدتها اسكتلندية) من أجل اختيار البقاء في الاتحاد، وفقاً للمحاضر البارز في مادة التاريخ في جامعة أنغليا روسكين البريطانية شون لانغ.

بين الأميرة والملكة:

ربّما كانت لحظتها الأهم مخاطبة شعب #المملكة المتحدة بعد تفشي جائحة “كوفيد-19” سنة 2020. “الأيّام الأفضل ستعود، سنكون مع الأصدقاء مجدداً… سنلتقي مجدداً. في نهاية المطاف، سيكون كل شيء على ما يرام”.

على الرغم من أهميته، لم يكن هذا التحفيز هو الأوّل من نوعه بالنسبة إلى الملكة. بعدما اندلعت الحرب العالمية الثانية، قالت الأميرة إليزابيث:

“نحن نعلم… أنه في النهاية، سيكون كل شيء على ما يرام، لأنّ الله سيعتني بنا، ويعطينا الانتصار والسلام”.

حينها، كان عمر الأميرة 14 عاماً وحسب. لقد أثبت الزمن أنّ توقّعها “الجريء” كان في محلّه، يكتب تشارلز مور في صحيفة “ذا تيليغراف”.

ثمّة بالتأكيد منزلة وسطى بين السعي الى أيّ منصب رسميّ وبين رفضه. بين حبّه وكرهه. لفت مور النظر إلى أنّ الملكة لم تسعَ إلى العرش، لكنّها بالتأكيد قبِلته.

ربّما تمثّل كلمة إليزابيث في تشجيع البريطانيّين على مواجهة تحدّي “كورونا” أبرز ما سيتذكّره البريطانيّون والعالم عنها.

وبالحديث عن العالم الذي زارت واستقبلت الملكة كبار مسؤوليه ودوله، مثل دونالد ترامب والبابا وروسيا والصين، قد لا يكون مستغرباً إن وافق كثر على توصيف مور: “لقد كانت عولمتها للملكيّة البريطانيّة أكثر اكتمالاً حتى من عولمة الملكة فكتوريا في ذروة الإمبراطورية”.

ملكيّة معولمة تعني بالضرورة بريطانيا معولمة. ما لم يحقّقه المحافظون بصخبهم، حقّقته الملكة الراحلة بصمتها.

 مرحبًا بك في موقعنا الإخباري المثير  " أيقونة بريس" ، حيث يتلاقى الحدث بالتحليل، والتقارير بالشغف. نحن هنا على مدار الساعة، جاهزون لنقدم لك أحدث الأخبار الوطنية والدولية، وليس فقط ذلك، بل نغوص أيضًا في عوالم الرياضة، الثقافة، والاقتصاد.

فريقنا المكون من صحفيين محنكين ليسوا فقط خبراء في مجال الإعلام، بل هم أيضًا روّاد في فن السرد. نحن نقوم بتحليل القضايا بشكل شيق ومثير، لنقدم لك تفاصيل لا تجدها في أماكن أخرى.