التحالف المغربي الأمريكي : مسار ثابت لا تحكمه اعتبارات ظرفية
©أيقونة بريس: و.م.ع //
22/12/2020 التحديث في 38،22 //
رسم المغرب والولايات المتحدة مسار تقارب أرسى، على مدى قرنين من الزمن، أسس شراكة دينامية بين حليفين قريبين من بعضهما البعض ظلا على الدوام يتقاسمان الرؤى والمواقف.
وإذا كان الاعتراف الأمريكي بالسيادة الكاملة للمملكة على أقاليمها الجنوبية آخر تجليات ومظاهر هذا التحالف المتجدد، فإن هذا الموقف لم يكن وليد الصدفة، ولم يكن خطوة متسرعة أو ظرفية، بل كان ثمرة مسلسل تفكير لم يكن وليد اليوم، وإنما جاء تتويجا لمشاورات مكثفة أجريت على أعلى مستويات الدولتين منذ عدة سنوات.
لقد كان إعلان رئيس الولايات المتحدة قرارا سياديا له قوة قانونية ومؤسساتية راسخة، بصرف النظر عن التوجه السياسي لقاطن البيت الأبيض.
وسيسهم القرار الأمريكي، الذي يمثل منعطفا رئيسيا في العلاقات الثنائية العريقة، في تعزيز الشراكة الاستراتيجية وتوطيد الطابع الفريد والمتميز لهذه العلاقة الثنائية التي تضع المملكة المغربية والولايات المتحدة على مسار تحالف متجدد.
إن هذا الموقف التاريخي الهام الذي اتخذته أعلى سلطة في الهيئة التنفيذية الأمريكية يعطي دفعة نوعية للدينامية الإيجابية والمستدامة التي تكرس مغربية الصحراء. والدليل على ذلك قرار الإدارة الأمريكية تصحيح جميع خرائطها داخل مختلف الإدارات، وإلغاء مصطلح “الصحراء الغربية”، وإخطار الكونغرس رسميا بالموقف الوطني الجديد من هذا الملف.
فعلى صعيد القضايا الاستراتيجية، تبذل الرباط وواشنطن جهودا مشتركة في مكافحة آفة الإرهاب والتطرف العنيف. وكان من ثمار هذا التعاون أن صُنفت المملكة حليفا رئيسيا للولايات المتحدة خارج حلف (الناتو) في عام 2004 .
ويفعِّل البلدان تعاونهما الاستراتيجي، اليوم، في سبيل تعزيز العمل المشترك بين قواتهما المسلحة. وقد تعزز العمل المشترك بين القوات المسلحة في البلدين بشكل خاص في السنوات الأخيرة من خلال تنظيم مناورات عسكرية مشتركة قوامها تعاون عسكري نموذجي.
وفي هذا الصدد، شهد التعاون الثنائي زخما جديدا بتنفيذ خارطة طريق مدتها عشر سنوات تروم تعزيز التعاون العسكري والأمني ودعم القرار الملكي بإطلاق صناعة عسكرية وطنية. وبذلك تكرس المملكة مكانتها بصفتها فاعلا رئيسيا في مجال صون الأمن والاستقرار في شمال إفريقيا والضفة الجنوبية من البحر الأبيض المتوسط.
ويظل المغرب، بحكم موقعه الجغرافي الاستراتيجي ودوره كبوابة نحو العمق الإفريقي، البلد الوحيد في القارة الذي أبرم اتفاقية للتبادل الحر مع الولايات المتحدة، وهي المعاهدة التي مهدت الطريق لزيادة تنويع المبادلات التجارية.
وفي إطار هذا المسار النموذجي من التعاون والتحالف، تندرج المبادرة الأمريكية المتمثلة في فتح قنصلية بمدينة الداخلة، وهو قرار تاريخي سيسهم في تفعيل الرؤية الملكية للأقاليم الجنوبية من خلال فتح آفاق اقتصادية وتنموية جديدة، كما يؤكد مكانة المغرب باعتباره شريكا موثوقا به لدى المجتمع الدولي.
ويشكل ترسيخ التوجه الاقتصادي للأقاليم الجنوبية وفرص التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي ستعود بالنفع على المواطنين مؤشرا قويا على الثقة في مستقبل تنعم فيه المنطقة بالاستقرار والازدهار.
ويروم افتتاح قنصلية في الداخلة تقوم بمهام اقتصادية بالأساس، وهو فعل ذو أبعاد دبلوماسية في حد ذاته، تشجيع الاستثمارات الأمريكية بما يعود بالنفع، على وجه الخصوص، على ساكنة الأقاليم الجنوبية.
وثمة فعل آخر ذو دلالة خاصة يتمثل في قيام الولايات المتحدة، التي تتولى صياغة مشاريع القرارات المتعلقة بالصحراء وبصفتها عضوا دائما في مجلس الأمن، بإبلاغ الهيئة التنفيذية للأمم المتحدة والأمين العام رسميا بفحوى قرارها. ويكرس موقف واشنطن مقترح الحكم الذاتي المغربي باعتباره الأساس الوحيد لحل عادل ودائم للنزاع على قضية الصحراء.
وقد أضفى الاعتراف الرئاسي بالسيادة المغربية على الصحراء بعدا عمليا على جميع التصريحات والمراسلات الصادرة عن كبار المسؤولين الأمريكيين والإدارتين الجمهورية والديمقراطية خلال العقدين الماضيين.
ففي تسعينات القرن الماضي، أُعدت رسميا “مذكرة عمل” تجسد تحبيذ إدارة كلينتون نهج مسار حل سياسي تفاوضي قائم على مخطط لحكم ذاتي موسع يحترم استمرارية سيادة المملكة. وبين سنتي 2000 و2003، تعهد جيمس بيكر باتباع هذا المسار، وفي عام 2004، وجه الرئيس جورج دبليو بوش رسالة إلى جلالة الملك محمد السادس نوه فيها بمقترحات الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب وأعرب عن “دعم الولايات المتحدة الكامل” لهذه المقترحات.
وبعد ثلاث سنوات من ذلك، وعلى إثر تقديم المخطط المغربي للحكم الذاتي، كثفت واشنطن من تصريحاتها الرسمية الداعمة لهذا المخطط.
وفي يونيو 2008، بعث السيد دبليو بوش برسالة جديدة إلى جلالة الملك يؤكد فيها أن “إنشاء دولة مستقلة ليس خيارا عمليا وواقعيا” للنزاع حول الصحراء، مؤكدا أن مخطط الحكم الذاتي “جدي وذو مصداقية”.
كما جددت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، عاما بعد ذلك، تأكيد دعم إدارة أوباما لمخطط الحكم الذاتي، واصفة إياه بأنه “جدي وواقعي وذو مصداقية”.
وفي عام 2013، خلال مباحثات صاحب الجلالة مع الرئيس باراك أوباما، كرس بيان مشترك الموقف الأمريكي لإدارة أوباما الذي يؤكد أن “موقف الولايات المتحدة لم يتغير”، كما وصف مبادرة الحكم الذاتي بأنها “جدية وواقعية وذات مصداقية”.
ومن جهته، لطالما أبدى الكونغرس دعمه لسيادة المملكة ولمخطط الحكم الذاتي المغربي، كما يشهد على ذلك، في جملة مؤشرات أخرى، قانون الميزانية الفيدرالية الذي يشمل الأقاليم الجنوبية للمملكة.
وهذا الأمر يؤكد، خلافا لما تزعمه أقلية لا يُعتد بها، أن الغالبية العظمى من صناع القرار الأمريكيين تدعم المغرب ووحدة أراضيه كخط أحمر.
واستشرافا لما بعد دجنبر 2020، تتعهد الرباط وواشنطن باستثمار هذا الزخم من أجل العمل سويا في سبيل تسوية النزاع المفتعل حول الصحراء داخل مجلس الأمن، من ناحية، ومن ناحية أخرى ضمات تضافر أوجه التآزر لإيجاد حل للقضية الفلسطينية.
وهكذا ستمكن الزيارة التي يقوم بها وفد أمريكي إسرائيلي، اليوم الثلاثاء، إلى المغرب من تفعيل القرارات التي تم الإعلان عنها خلال المباحثات الهاتفية بين جلالة الملك والرئيس دونالد ترامب، ولا سيما الشق المتعلق بعملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ويستند هذا التوجه إلى نهج دبلوماسي يقوم على ثلاثة مبادئ، تتمثل في حل ينبني على مبدأ إقامة دولتين تعيشان جنبا إلى جنب في سلام وأمن، والتفاوض بين الأطراف المعنية، والحفاظ على الطابع العربي الإسلامي لمدينة القدس الشريف.