مدوّنة الأسرة بالمغرب

هل تحتاج مدوّنة الأسرة بالمغرب إلى تغيير جذري؟

 

©أيقونة بريس: و.م.ع – جواد التويول//

07 مارس 2022 التحديث في 00:16//

في اليوم العالمي للمرأة (8 مارس)، يتجدد الحديث والنقاش حول الإشكاليات والصعوبات التي رافقت تنزيل مقتضيات مدوّنة الأسرة. هذه المدوّنة هي آلية قانونية مهمة تلامس بشكل مباشر أبرز القضايا التي تهم المرأة المغربية. وهي تهدف إلى تحقيق المساواة بين الجنسين وحماية حقوق الطفل والمرأة والأسرة.

الجزء الأول: مراجعة مدوّنة الأسرة بعد 18 سنة من تطبيقها

بعد مرور 18 سنة من تطبيق مدوّنة الأسرة بالمغرب، تواترت العديد من الأصوات للمطالبة بمراجعة عدد من مقتضياتها. وذلك بعدما تبيّـن أن هناك ثمّة حاجة مُلحة إلى تعديلها لتواكب التحوّلات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدها المجتمع المغربي خلال السنوات الأخيرة. وكذلك لتلائم الالتزامات الدولية التي صادقت عليها المملكة.

وفي هذا الإطار، يتخذ النقاش الدائر اليوم مسارا واحدا يؤطر العديد من الأصوات الحقوقية النسائية للتعبير عن مطلبها الملح بضرورة إعادة النظر في هذه المدوّنة. ويستهدف هذا النقاش تحديدا تحيين هذه الآلية القانونية وإصلاحها، أو أكثر من ذلك، إلى تغييرها ومراجعتها.

الجزء الثاني: أبرز الثغرات والقصور في مدوّنة الأسرة

ومن بين الثغرات والقصور الواردة في مدوّنة الأسرة، يمكن تسليط الضوء على النقاط التالية:

زواج القاصرات

إذا كانت مدوّنة الأسرة قد اعتبرت سن الزواج محددا في” 18سنة شمسية” كاملة للجنسين معا، وأجازت للمحكمة إمكانية النزول عند هذا الحد استثناء بمقتضى مقرر معلل يحدد مصلحة القاصر في الزواج، فإن الواقع العملي كشف عن تحوّل الاستثناء إلى قاعدة. وهو ما يظهر في ارتفاع نسبة الاستجابة لطلبات تزويج القاصرين، حيث تصل هذه النسبة إلى حوالي 90 بالمائة من الطلبات المقدمة.

كما كشف التطبيق العملي أن غالبية هذه الطلبات تمس الفتيات، أي أننا أمام تأنيت للظاهرة. وفي نفس السياق يلاحظ استغلال سيء لدعوى ثبوت الزوجية، التي تستعمل كأداة ل “شرعنة” تزويج القاصرات، في ظل غياب أي مقتضيات زجرية تعاقب على تزويج الطفلات بشكل غير قانوني.

ورغم أن الإحصائيات الأخيرة لوزارة العدل، تكشف عن تراجع في معدلات تزويج القاصرات، فإنه تبقى هناك مخاوف جدية، من إمكانية أن تأخذ هذه الزيجات أشكالا ملتبسة. وهو ما يفرض ضرورة التفكير الجدي في حذف الفصول المتعلقة بتزويج القاصرات، واستثناء حالات التعدد وزواج القصر من دعاوى ثبوت الزوجية.

الطلاق والتطليق

نقطة أخرى تتعلق بكثرة المساطر المتاحة للزوجين من أجل الطلاق والتطليق واختلاف بعض مقتضياتها بشكل لا يحقق الأمن القانوني وحسن الولوج الى العدالة. حيث هناك مساطر للتطليق إذ يكون انفصال العلاقة الزوجية بموجب حكم قضائي كالتطليق للشقاق مثلا، بينما في مساطر أخرى للطلاق يكون انفصام العلاقة الزوجية بعد الإشهاد على ذلك أمام عدلين. وهو ما يفرض ضرورة توحيد مساطر الطلاق والتطليق، خاصة وأن الواقع أثبت أن الإقبال غالبا ما ينصب على مسطرتين، هما التطليق للشقاق، والطلاق الاتفاقي.

الخبرة الجينية والنسب

نقطة ثالثة، تتعلق بأعمال الخبرة الجينية في قضايا النسب، فرغم أن مدوّنة الأسرة اعتبرت الخبرة الجينية وسيلة لإثبات النسب ونفيه، فإن حصرها لأسباب لحوق النسب في الفرا

شة في الفراش والشبهة والإقرار حد من فرص إعمال الخبرة الجينية لإنقاذ مصير الآلاف من الأطفال المزدادين خارج إطار مؤسسة الزواج. وهو ما يدفع للتساؤل حول مدى فعالية أسباب لحوق النسب المحددة قانونا ومدى تحقيقها لمبدأ العدل والمساواة بين طرفي نفس العلاقة.

فكيف يقبل من الأب البيولوجي أن ينسب الطفل إليه بمجرد إقراره، ودون حاجة لإثبات الفراش، بينما لا يمكن للأم أن تنسب الطفل لأبيه البيولوجي حتى وإن أثبتت الخبرة النسب، حيث تطالب بإثبات الفراش. فنفس العلاقة تكون شرعية في نظر المشرع إذا جاء الإقرار من الأب، ولا تكون شرعية في حالة إنكار الأب ومطالبة الأم بإجراء خبرة. علما بأن النسب يرتب أثارا على درجة كبيرة من الأهمية من بينها الحق في الاسم والميراث والحضانة والنفقة والتربية والتعليم والرعاية الصحية والاجتماعية.

وهنا يتضح أن الخبرة الجينية هي دليل عـِلمي أقوى من الإقرار، وأنه يجب أن تكون متاحة للأم والأب على قدم المساواة، وأن تكون حاسمة في تحديد النسب والفراش، دون الرجوع إلى أسباب لحوق النسب التي تعتمد على الظن والاستقراء والتقاليد.

الجزء الثالث: النيابة الشرعية والمرأة

وفي سياق متصل، يرى الباحث والأكاديمي الدكتور أنس سعدون، أن مدوّنة الأسرة شكلت بكل تأكيد عند صدورها سنة 2004 “ثورة هادئة”، على مستوى المضامين الواردة فيها. سواء في ما يتعلق بإقرار مبدأ المساواة بين الجنسين، أو ترسيخ حقوق الطفل والمرأة، وتوسيع مجال دور القضاء في تطبيق مقتضيات المدوّنة، وإحداث أقسام قضاء الأسرة، واعتبار النيابة العامة طرفا رئيسيا في قضايا الأسرة.

لكن مع مرور الوقت، يؤكد الدكتور سعدون وهو مختص في قانون الأسرة المغربي والمقارن وعضو نادي القضاة بالمغرب، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، برزت بعض الثغرات التي أفرزها التطبيق العملي، بعد مرور زهاء 18 سنة عن صدورها، وبعد إقرار دستور 2011 الذي كرّس مبدأ سموّ الاتفاقيات الدولية على القانون الداخلي.

ومن بين هذه الثغرات، يشير الدكتور سعدون إلى مسألة النيابة الشرعية، التي تعتبر وسيلة لحماية حقوق الأطفال والمرأة في قضايا الأسرة. وهي تتمثل في تمثيل النيابة العامة للطرف الضعيف في الدعوى، والتدخل في المساطر الخاصة بالزواج والطلاق والنسب والحضانة والنفقة والميراث وغيرها.

لكن الواقع يظهر أن هناك تمييز في ممارسة النيابة الشرعية، حيث تواجه الأم صعوبات أمام الإدارة عندما تريد تسجيل أبنائها أو تجديد بطاقاتهم الوطنية أو جوازات سفرهم أو تسفيرهم، بينما الأب لا يواجه أية صعوبة في ذلك. وهو ما يخالف مبدأ المساواة بين الجنسين وحقوق الطفل.

وعليه، يقترح الدكتور سعدون إعادة النظر في مفهوم النيابة الشرعية، وتوسيع نطاقها لتشمل جميع القضايا التي تتعلق بالأسرة والمرأة والطفل، وتوحيد ممارستها بين القضاء والإدارة، وتكريسها كحق أصيل للطرف الضعيف في العلاقة الزوجية.

خاتمة: الحاجة إلى تحديث مدوّنة الأسرة

من خلال هذا العرض، يتضح أن مدوّنة الأسرة بالمغرب هي إنجاز قانوني واجتماعي مهم، لكنه يحتاج إلى تحديث وتطوير لمواكبة التغيرات التي طرأت على المجتمع المغربي والمتطلبات الدولية في مجال حقوق الإنسان. وهذا يستوجب تفعيل الحوار والتشاور بين جميع الفاعلين المعنيين بقضايا الأسرة والمرأة والطفل، والاستفادة من التجارب الناجحة في بلدان أخرى، والتوافق على مقتضيات تحقق العدل والمساواة والكرامة لجميع أفراد الأسرة المغربية.

الكلمات المفتاحية :

اليوم العالمي للمرأة – مدوّنة الأسرة – المساواة بين الجنسين – زواج القاصرات – الطلاق والتطليق – الخبرة الجينية – النسب والفراش – النيابة الشرعي- الأم والأب- المغرب-

Print Friendly, PDF & Email
Author profile

 مرحبًا بك في موقعنا الإخباري المثير  " أيقونة بريس" ، حيث يتلاقى الحدث بالتحليل، والتقارير بالشغف. نحن هنا على مدار الساعة، جاهزون لنقدم لك أحدث الأخبار الوطنية والدولية، وليس فقط ذلك، بل نغوص أيضًا في عوالم الرياضة، الثقافة، والاقتصاد.

فريقنا المكون من صحفيين محنكين ليسوا فقط خبراء في مجال الإعلام، بل هم أيضًا روّاد في فن السرد. نحن نقوم بتحليل القضايا بشكل شيق ومثير، لنقدم لك تفاصيل لا تجدها في أماكن أخرى.