ذكرى عيد الاستقلال : التضحيات الجسام لساكنة “كريان سنطرال” مهد المقاومة الشعبية ضد الاستعمار الفرنسي

©أيقونة بريس: الشبكة العنكبوتية //
يخلد الشعب المغربي، الاثنين 18 نونبر ، ذكرى عيد الاستقلال المجيد التي تعد من الذكريات الوطنية الراسخة في قلوب المغاربة لما لها من مكانة وازنة ومتميزة في رقيم الذاكرة التاريخية الوطنية، ولما تحمله من دلالات عميقة ودروس بليغة وبطولات عظيمة وتضحيات جسام وأمجاد تاريخية خالدة.

بحلول 18 نونبر من كل سنة نستحضر التضحيات الجسام لساكنة “كريان سطرال” مهد المقاومة الشعبية ضد المستعمر الفرنسي الغاشم . فقد شكل “كريان سنطرال” أرضا خصبة لما سمي أحزاب الحركة الوطنية، وتسييس قسم من الشبيبة المنحدرة من هذا الحي الشعبي، حزب الشورى والاستقلال، و حزب الإستقلال، هذ الأخير الذي أنشأ مجموعة من الخلايا السرية العمّالية في حيّ “كريان سنطرال” قادت احتجاجات وإضرابات ضد المعمر الفرنسي .


انتعش العمل السياسي ب”الكريان” بداية سنوات الخمسينات متأثرا ببداية ظهور حركة التحرر الوطني بالمنطقة، لتتحرك معه أيضا آليات القمع التي ستطال سكان الحيّ بعد مشاركتهم في مجموعة من الإضرابات العمّالية، حيث انتهجت السلطات الفرنسية و تفننت في قمع احتجاجات الفقراء ب”الكاريان” القمع المباشر، والاعتقالات العشوائية لترهيب السكان واستغلال حاجة وفقر البعض الآخر من المعطلين لاستغلالهم في الوشاية والتجسس على بعضهم البعض .
عرف حدث اغتيال النقابي التونسي فرحات حشاد الأمين العام للاتحاد العام للعمال التونسيين على يد عصابة اليد الحمراء الفرنسية سنة 1952 تضامنا مهما من سكان ” الكريان”، حيث دعت النقابات المغربية وحزب الاستقلال إلى إضراب عام مدته 24 ساعة احتجاجا على هذا الاغتيال، شملت المظاهرات “كريان سنطرال” بين الأحد 7 ديسمبر 1952 والاثنين 8 ديسمبر 1952، حيث عملت السلطات الاستعمارية على تحذير السكان من الخروج في هذه المظاهرات عبر تسخير «البرّاح» لتحذير المشاركين من عواقب المشاركة، إلا أن الوضع انفجر فعلا وخرج الآلاف في مسيرات احتجاجية أرهبت المستعمر وعملائه، ليتم قمع الانتفاضة في حمّام دم يجهل لحد الآن العدد الحقيقي للشهداء والمعتقلين والجرحى، حيث استعملت البنايات العالية على أكواخ الفقراء مثل المراحيض العمومية وبعض الأبنية المرتفعة لإطلاق الرصاص على المحتجين العُـزّل، تم دفن بعض القتلى داخل البراريك خوفا من المتابعة البوليسية والاعتقال، وهناك جرحى ومعتقلين حكم عليهم بالسجن والأعمال الشاقة لسنوات، هذا بالإضافة لطرد العمّال المشاركين في الإضراب من عملهم، كما تدخلت سلطات الاحتلال لدى المدراء لإخبارها بالمتغيبين يوم الإضراب ومراقبة ما إذا بهم خدوش أو ضمادات للتأكد من مشاركتهم في الإضراب.

تلت كل هذا العقاب الجماعي محاكمة ظالمة وقاسية حيث أمضى جل المحكومين عقوبتهم السجنية داخل ضيعات فلاحية للمعمّرين والباشوات ليتم تسخيرهم في أعمال فلاحية. خلف هذا الكمّ الهائل من الاعتقالات في صفوف الرجال والشباب حالة رعب ب”الكريان” أجبر العديد على الفرار خوفا من بطش السلطة وظلم السجون.
لم تسلم النساء من انتقام السلطات حيث طردت العديد من العاملات أمثال: “عايشة المعاشي العاملة التي طردتها شركة “كوزوما” من العمل بسبب النشاط النقابي، وعايشة باهية أم محمد كوري العاملة في قطاع تصبير السمك وفاطمة العبدية العاملة في «لوزين الليمون» الذي كان يملكه «فكتور» واللائحة طويلة…”.
هذا ولا ننسى دور النساء الفقيرات في تحمل مسؤولية مساعدة أزواجهن المعتقلين بالسجون حيث تكلفت النساء بالزيارات وما يترتب عنها من مصاريف تثقل كاهلهن، دون أن نغفل أيضا الدور التنظيمي الكبير في تشكيل لجنة نسائية للتضامن في الكريان لجمع مساعدات مادية وعينية لعائلات المعتقلين و للأسر المحتاجة من سكان الحي، لم يكن هذا التضامن النسائي إلا شكلا جنينيا للمجتمع المنشود.

تعرض تاريخ الكادحين بالمغرب لتزوير ممنهج طمس تضحيات أجيال من المقاومين الشباب المتعطشين للحرية، لينسب لغيرهم . فهناك الآلاف من النساء والرجال ساهموا بشكل أو بأخر في دحر المعمّر الفرنسي، ينحدر جل هؤلاء من الفقراء والكادحين قدموا تجارب نضالية نستخلص منها الدروس و العبر.
خلال هذه الفترة أضرب “كريان سنطرال” مدة 8 أيام، كما نفذت عمليات على شكل حرب العصابات مثل محاولة إحراق شركة «shel» وقطع أسلاك الهاتف وتنظيم خلايا فدائية.. الخ،،، وأشكال مقاومة لا حصر لها. كما خرجت حشود بشرية من “كريان سنطرال” القصديري تطالب بعودة الملك المغفور له محمد الخامس الذي طالته يد المستعمر الغاشم و نفته هو و أسرته إلى كورسيكا و منها إلى مدغشقر ،
تقول شهادات: محمد تقي، الباحث في تاريخ المغرب المعاصر وصاحب كتاب «جوانب من ذاكرة كريان سنطرال الحي المحمدي في القرن العشرين»، إن الحيّ عرف مجموعة من الضحايا المعتقلين في صفوف المقاومة إبّان فترة الاستعمار الفرنسي للمغرب، إثر العمليات الفدائية التي شهدها الحيّ المحمدي بعد نفي جلالة المغفور له الملك محمد الخامس إلى حين عودته.
كانت تكلفة هذه الاحتجاجات مرتفعة و ثقيلة في صفوف ساكنة “كريان سنطرال” ، اعتقالات بالجملة واغتيالات ونفي المناضلين والانتقام من ذويهم..

Print Friendly, PDF & Email