بعد الهدم

ضحايا التعمير والشطط في استعمال السلطة بالهرهورة

ايقونة بريس  - علي الكوكبي 

حقيــــقة الفاجعــــة الاجتماعيــــــة بتاريخ 28 ماي 2015 بالهرهورة، والذي يستحق أن يصبح يوما وطنيا لضحايا سياسة التعمير وشطط السلطة

في بداية الثمانينيات من القرن الماضي دعت أعلى سلطة في بلادنا كل المتدخلين والفاعلين في مجال التعمير إلى العمل من أجل توفير السكن لجميع الشرائح المجتمعية على اعتبار أن السكن الكريم يدخل في صلب حقوق الإنسان الأساسية.

وفي هذا السياق استجابت ودادية سطات السكنية لهذا النداء النبيل منذ مطلع الثمانينيات وأنجزت العديد من المشاريع السكنية الناجحة مكنت لمئات من المنخرطين من أطر دولة وأسر من الجالية المغربية المقيمة بالخارج بسكن لائق وكريم والودادية بذلك ساهمت في النهضة التعميرية التي عرفها تراب عمالة الصخيرات تمارة وكانت الودادية رائدة بهذا الخصوص.

وأمام هذا النجاح واستجابة لعشرات الطلبات المقدمة للودادية من لدن العديد من المنخرطين قصد الاستفادة اقتنت الودادية العقار رقم 9169/38 أنجزت عليه الشطر الأول والثاني بنجاح وبذلك مكنت الودادية المنخرطين بهذين الشطرين بمساكنهم اللائقة والكريمة على الرغم من الإكراهات المتعددة بحيث مازال في ذمة بعض المنخرطين أموال لفائدة الودادية.

ومن أجل تلبية باقي الطلبات قدمت الودادية طلبا لبلدية الهرهورة حصلت بموجبه على رخصة قانونية عدد 06/2013 والصادرة بتاريخ 16 يناير 2013 بعد أن صوت أعضاء المجلس الترابي وبالإجماع على مقررين جماعيين متعلقين بالاستجابة لمطلب الودادية بتقليص عرض الطريق من 30 إلى 20 متر وهذا الأمر يدعمه تصميم التهيئة 2013 للوكالة الحضرية الرباط سلا.

قبل الهدم

قبل الهدم

وبعد الخبرات المنجزة من طرف الخبراء المحلفين من لدن المحاكم بالرباط والتي تفيد جميعها بأن الودادية في وضع سليم وقانوني وأنها تنجز شطرها الثالث من مشروعها السكني داخل وعائها العقاري الخاص ولا وجود لأية طريق وهذا تدعمه شهادة إدارية لرئيس المجلس البلدي التي تؤكد بدورها قانونية وسلامة الشطر الثالث من المشروع السكني للودادية كما أفاد رئيس المجلس البلدي في محضر رسمي أمام الدرك الملكي بأن الودادية تتوفر على جميع الرخص القانونية وبأنها تنجز الشطر الثالث داخل ملكيتها الخاصة ولا وجود لطريق عمومية وأيضا شهادة المحافظة العقارية المؤرخة في 30 أكتوبر 2014 تحت عدد 795/78 المؤكدة لعدم وجود طريق ولا نزع الملكية.

لكن وللأسف الشديد وعلى الرغم من نجاحات الودادية وقانونية رخصها باعتراف جميع المسؤولين والمؤسسات وعلى الرغم من نسبة البناء التي تجاوزت 80% من الشطر الثالث من المشروع السكني وأيضا على الرغم من أن القضية على أنظار القضاء المغربي ولم يبث فيها بشكل نهائي حيث كان مقررا أن تبث المحكمة في القضية يومه 08/06/2015 قصد إيقاف الهدم للشطر الثالث…

بعد الهدم

بعد الهدم

على الرغم من هذا كله تابع الرأي العام الوطني والإعلام والهيئات الحقوقية عملية هدم الشطر الثالث من المشروع السكني للودادية فجر يوم الخميس 28 ماي 2015 بأمر من عامل عمالة الصخيرات تمارة بناء على ادعاءات واهية وذلك في تحدي سافر للقوانين الجاري بها العمل بقطاع التعمير.

فهذا اليوم يستحق شعارا ليوم وطني لضحايا سياسة التعمير ببلادنا ففي هذا اليوم المشؤوم قامت مصالح العمالة بأمر من العامل مستعينة بقوات عمومية كبيرة مجهزة بالعديد من الآليات بقيادة المسؤول الجهوي للدرك الملكي والمسؤول الإقليمي للقوات المساعدة والسيد باشا المدينة وقائد مقاطعة هذه الأخيرة بعملية هدم الشطر الثالث من المشروع السكني للودادية برمته دون انتظار الكلمة الأخيرة للقضاء المغربي ممثلا في محكمة النقض والمحكمة الإدارية حيث أصدر العامل أمره بالهدم بتاريخ 6 ماي 2015 بناء على محضر معاينة مشبوهة تمت صياغتها في دهاليز العمالة وفي غياب المصالح المسؤولة الأخرى كما أن أمر الهدم تم بناء على الحكم الصادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بتمارة المؤيد من طرف محكمة الاستئناف والقاضي فقط بإيقاف الأشغال لأن القضية كانت أمام القضاء وليس بصددها حكم نهائي.

بل أن الخطير في الأمر كان في أن أمر الهدم انبنى على مقتضيات الفصل 80 من القانون 12/90 المتعلق بالتعمير والذي ينص على أن السلطة المحلية تقوم تلقائيا بهدم أي بناء مقام على ملك من أملاك العامة وهذا  لا ينطبق على هذه القضية لأن الودادية أنجزت الشطر الثالث من مشروعها السكني داخل العقار 9169/38 الذي هو في ملكيتها الخاصة ولا يزال.

لكن السيد العامل استبق كلمة العدالة بالمحكمة الإدارية حيث كانت الجلسة ستعقد بتاريخ 08/06/2015 وأمر بالهدم بشكل إنفرادي فجر يوم الخميس 28/05/2015 في تجاهل تام وغير مبرر للحقائق الدامغة والوثائق الإدارية والمقررات الجماعية للمجلس البلدي والخبرات المنجزة.

بعد الهدم

بعد الهدم

وهكذا تمت فاجعة هذا الشطر الثالث السليم من الوجهة القانونية والحقوقية وهكذا أيضا تابع الرأي العام المغربي من خلال الإعلام والصحافة بشتى أصنافها قضية رأي عام هذه والتي فاحت منها روائح الشطط والتعليمات والمحاباة والتعالي على القضاء والسباحة في الاتجاه المعاكس للمفهوم الجديد للسلطة الذي نادى به عاهل البلاد محمد السادس نصره الله والذي يناشد من خلاله رجال السلطة إلى التقرب من المواطنين وخذمتهم وفتح آفاق التنمية المستدامة لعامة المغاربة فماذا بعد إذن؟

تمت عملية الهدم للشطر الثالث من المشروع السكني الذي كان من المفروض أن يلبي حاجيات المنخرطين في الاستفادة من سكن كريم وأطلال الشطر ما زالت على حالتها فالهدم سهل لكن البناء تلزمه الإرادة ولهذا فالوضع على ما هو عليه وننتظر من القضاء المغربي الإنصاف ولا شيء غير الإنصاف.

Print Friendly, PDF & Email
Author profile

صحفي مهني وناشط حقوقي، متخصص في القضايا السياسية والاجتماعية. حاصل على شهادة في الحقوق ودبلوم في القانون الخاص. ساهم في عدة منصات إعلامية وشارك في ندوات دولية مع منظمات المجتمع  المدني وحقوق الإنسان ( تفاصيل السيرة الذاتية)