مِيّاهْ والمَاس والضيعات الفلاَحية.. هل تشعل "ثورةْ العطشانين" بوالماس ؟

تحقيق (الجزء الثاني): مِيّاه والمَاس والضيعات الفلاَحية.. هل تشعل “ثورةْ العطشانين” بوالماس ؟


ايقونة بريس - جواد الحاميدي 

مقاولات “وسيطة” وغياب مكتب نقابي

أكدت جميع مصادرنا داخل المعمل غياب أي مكتب نقابي يدافع عن حقوق العمّال منذ أحداث سنة 1999 تاريخ اعتقال عمّال ونقابيين منضوين تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، رفعوا ملفا مطلبيا يطالبون فيه بترسيم بعض العمّال وتسجيلهم في الضمان الاجتماعي.                         

ويوضح عامل في مقابلة أجريناها معه، أن أقل من  30% من مجموع العمّال الرسميين ينحدرون من منطقة والماس وترميلات.

المقابلات التي أجريناها مع عمّال معمل والماس، أوصلتنا إلى وجود عدد من الشركات والمقاولات “الوسيطة” التي أوكلتها الشركة مهمة تدبير شؤون العمّال والمعمل، منها CLEANTEN الخاصة بالنظافة داخل المعمل والفندق والفضاءات التابعة للشركة، و GINIRAL ANTIRM المعروفة داخل المعمل اختصارا بـ GI مكلفة بالإنتاج وتبريد المياه والمختبر بالإضافة إلى شركة SODIXO المكلفة بمطعم الشركة وتقديم الوجبات الغذائية للعمّال القادمين خارج منطقة والماس ومقاولةGROUP 4 المكلفة بعمّال الحراسة والنقل ويعمل مجموعة من العمّال داخل هذه الشركات والمقاولات بأجر يتراوح بين 2000 و2250 درهما.

وحسب مسؤول عن وحدات الإنتاج، رفض الكشف عن هويته، فإن شركة والماس للمياه المعدنية تتوفر على تسعة وحدات لإنتاج ماء المائدة المعدني، تنتج ما مجموعه 75 مليون قنينة في الشهر في فترة فصل الشتاء، في حين رفض مصدر داخل شركة والماس للمياه المعدنية الكشف عن حجم الإنتاج اليومي أو الشهري “ذلك يتعارض مع مبدأ التنافسية”.

عطش في قلب جماعة تصدر الماء

التحريات التي قمنا بها في قلب جبال والماس، كشفت جفاف جميع الوديان بالمنطقة وعطش يعاني منه جميع سكان أكبر جماعة تُصدّر مياه ذات جودة عالية إلى جميع مدن وقرى المغرب، حيث عاينا انقطاع الماء في صنابر منازل السكان في تمام الساعة الثامنة والنصف من مساء الأربعاء 14 أكتوبر 2017 في وقت كانت فيه 11 شاحنة أمام معمل والماس تنتظر دورها لنقل الماء إلى مختلف مناطق المغرب في تمام الساعة الرابعة زولا وِفق ما عايناه ليومين متتاليين من شهر نونبر 2017.

حِراك العطش

وتزامنت زيارتنا لقرية والماس لإنجاز هذا التحقيق مع اندلاع حِراك شبابي سمّاه الواقفون ورائه “حراك شعبي أيت عمّى والماس” وكان من أبرز مطالبه “إمداد السكان بالماء الصالح للشرب وتوفير المياه المعدنية ووضع حد لاستنزاف الثروة”.

حراك العطش

كريم حمي، أحد قادة حِراك والماس قال في حديثه معنا إننا نطالب السلطات المحلية في شخص عامل الإقليم ورئيس جماعة والماس الذي هو أيضا برلماني دائرة والماس عن حزب الأصالة والمعاصرة،إمداد الساكنة بالماء الصالح للشرب ووقف استنزاف الثروة المائية.

خرق القانون وجفاف الآبار يندران بكارثة بيئية 

في طريقنا إلى عين “سيدي علي” الذي تستغله هو الأخر عائلة بنصالح في إطار شركة والماس للمياه المعدنية منذ سنة 1979، ويبعد عن معمل والماس بحوالي ثلاثة كيلومترات، اكتشفنا عشرات الآبار على جنبات طريق غير معبدة، بعضها في ملكية شركة والماس وبعضا اكترته نفس الشركة بمبالغ لا تتجاوز 2000 درهم للشهر ووضعت لهم حراسا، لمنع الاقتراب منهم،وأنابيب مياه متجهة نحو المعمل. أما بالنسبة للضيعات الفلاحية فقد حفر المشرفون عليها أبار على طول 500 هكتار من الأراضي الفلاحية.

تصفية بحسب النوع تصفية بحسب التاريخ بحث في الوسائط جاري الرفع 1 / 1 – آبار مهمشة بعد أن تم استنزاف فرشاتها المائية بالكامل.png تفاصيل المرفق آبار مهمشة بعد أن تم استنزاف فرشاتها المائية بالكامل

وصادفنا في طريقنا آبار مهمشة بعد أن تم استنزاف فرشاتها المائية بالكامل من طرف شركة والمـاس والضيعات الفلاحية.

واد جاف قرب منشأة عين سيدي علي، على بعد أمتار

قرب منشأة عين سيدي علي، على بعد أمتار، يوجد واد جاف يقول الفلاحون هناك إنه كان إلى أمس قريب مليئا بمجاري المياه وكان يعج بالطيور والحيوانات المائية. الزيارة التي قمنا بها للواد القريب من عين “سيدي علي”لاحظنا من خلالها تأثيرا حادا لاستغلال المياه في التسويق،كما أدى حفر واستغلال الآبار إلى نضوب الواد وموت الأشجار المحيطة به. في حين يقول الواقفون وراء شركة والماس إن هذا الواد لا يمر منه المياه إلا في ظرفية التساقطات المائية فقط.

 -واد جاف قرب منشأة عين سيدي علي، على بعد أمتار

وإذا كان محيط “سيدي علي” ناضب بسبب كثرة جلب المياه لتجارتها في الأسواق حسب الساكنة، فإن الباب الثامن المتعلق بالمحافظة على المياه من قانون الماء المغربي، يمنع إنجاز منشآت فوق المجاري المائية أو المسطحات المائية إلا إذا كانت مجهزة للمحافظة على الوظائف الإيكولوجية الأساسية لهذه المجرى والمسطحات للحفاظ على الحدّ الأدنى من الصبيب.

على بعد أمتار قليلة من منشأة “سيدي علي”توجد أبار جافة بعد أن استهلكت فرشاتها المائية بالكامل. وبالعودة إلى قانون الماء لسنة 2016 الذي يحدد شروط استغلال المياه، نجد أن المادة 112 منه تشدد على ضرورة منع استغلال المياه في المدارات إذا شكل ذلك خطرا على الفرشات المائية أو جودة المياه.

بئر جاف على بعد أمتار قليلة من منشأة "سيدي علي"

ويرى عدد من نشطاء حِراك والماس الذين قابلناهم في واجهة مقر جماعة والماس، مكان اعتصامهم، أن سبب عطش سكان المنطقة، وانقطاع الماء في فصل الصيف لما يزيد عن 16 ساعة، يعود لتواطؤ مكشوف بين شركة والماس للمياه المعدنية التابعة لعائلة بنصالح وبين المكتب الوطني للماء الصالح للشرب، بعدم حفر الآبار لتفادي منافسة الشركة في الفرشة المائية، ومما يؤكد ذلك استمرار شركة والماس في حفر واستغلال الآبار في ظِل عطش السكان، حسب منظور هؤلاء النشطاء.

شباب المنطقة في حراك ضد استنزاف ثروة 11145 نسمة

الحراك الذي ظهر في جماعة تعتبر إحدى أغنى الجماعات القروية بالمغرب، ويقوده مجموعة من شباب المنطقة، يتهم السلطات المحلية باستنزاف ثروة 11145 نسمة ويطالب بتوفير مناصب الشغل لأبناء المنطقة وتشغيلهم في معمل المياه المعدنية وتجهيز المستوصفات والنهوض بصحة الأم وتوفير مستشفى محلي بالإضافة إلى فتح مراكز التكوين وتوفير الأطر التعليمية.

الشركة المستغلة لمياه والماس "تلحق الضرر بالملك العمومي المائي"

وتبرز أيضا ضمن هذه المطالب فتح منجم LA FOI الذي أوقفته الشركة بدعوى أنه سيؤثر على الفرشة المائية بالمنطقة وِفق قادة حِراك والماس.

لمعرفة مصداقية مطلب “إمداد الساكنة بالماء الصالح للشرب” الذي رفعه المحتجون في وجه السلطات المحلية “بسبب استنزاف شركة والماس للفرشات المائية” توجهنا إلى عدد من سكان منطقة والماس الذين أكدوا في تصريحاتهم أن الماء ينقطع عن صنابر منازلهم حوالي الساعة الثامنة في فصل الشتاء، أما الصيف فلا يستفيدون من الماء إلا ساعتين في اليوم فقط. 

وبهذا يتبيّـن أن أطرافا، منها الشركة الخاصة المستغلة لمياه والماس والضيعات الفلاحية “تلحق الضرر بالمِلك العمومي المائي” بتعبير المادة 23 من قانون الماء التي أكدت على عدم الترخيص لأي استغلال للمياه من شأنه إلحاق الضرر بالمياه.

يـتـبـع …

تم إنجاز هذا التحقيق بدعم من منظمة “إيمس” بالشراكة مع الجمعية المغربية لصحافة التحقيق (أمجي) وذلك في إطار المنحة المغربية لصحافة التحقيق لسنة 2017.

لقراءة الجزء الأول اضغط على هذا الرابط:

الـجـزء الأول

Print Friendly, PDF & Email
Author profile

صحفي مهني وناشط حقوقي، متخصص في القضايا السياسية والاجتماعية. حاصل على شهادة في الحقوق ودبلوم في القانون الخاص. ساهم في عدة منصات إعلامية وشارك في ندوات دولية مع منظمات المجتمع  المدني وحقوق الإنسان ( تفاصيل السيرة الذاتية)