العزوف عن الزواج مؤشر على اتجاهنا نحو مجتمعات أميسية
® ايكون بريس - اقللوش زينة
لا شك أن الكثيرون سيقرؤون الإحصاء الذي قدمته القناة الثانية حول نسبة النساء الغير المتزوجات قراءة تقليدية، وسيتعاطف مع هؤلاء النسوة اللواتي لم تجد عليهن الأقدار بفارس أحلامهن البطل، لكن دعونا نقرأ هذا الإحصاء قراءة أخرى تصب أكثر في الأسباب والنتائج البعدية لهذا العزوف الإرادي أو اللا إرادي، قراءة قد تغير الموازين وتبين أن هؤلاء النساء لسن “مسكينات” ينتظرن أن يقف الرجال على أعتابهن طالبين الزواج، ونتجاوز كذلك النظرة التقليدية التي تجاوزها الواقع الحقيقي لعصر السرعة، ولكن تأبى الكثير من العقول تجاوزها لعدم قدرتها على استيعاب وقبول الواقع الجديد ..
لكن كيف سيتجاوزها الناس إذا كان الإعلام الذي نتوسم منه الكثير لم يستطع أو لا يريد تجاوزها، ففي الوقت الذي كان يتوجب على القناة الثانية أن تجعل لهذا العدد من النساء الغير المتزوجات مقابلا لعدد الذكور الغير المتزوجون أو العانسين لأنهم فعلا كذلك، فإذا صح مصطلح العنوسة على النساء فما الذي يجعله لا يصح على الرجال!؟ فإذا كان السبب الوحيد لعدم زواج هؤلاء النساء حسب الفكر التقليدي هو عدم إيجادهن للزوج المناسب فإن أسباب عدم زواج الرجال كثيرة وواقعية أكثر مما يجعلهم أمام عائق أكبر ولعل أصعب هذه الإكراهات هو الإكراه المادي وغلاء المعيشة وتكاليف الزواج…
إن النساء اليوم تجاوزن انتظارهن للرجل ورمين أنوثتهن جانبا وربما يعشنها بطرقهن الخاصة ليدخلن معترك الحياة، ولا شك أن أغلبهن قد خرجن إلى سوق الشغل مما يجعلهن الخادم الأول للاقتصاد في البلاد رغم استغلالهن بأجور هزيلة واشتغالهن في ظروف لا إنسانية …
فإذا كانت المرأة اليوم مسؤولة على إعالة نفسها، وتوفير كل ما تحتاجه من مأكل وملبس وكل متطلبات الحياة حسب مستواها الفكري والاجتماعي..، بل ومسؤولة في أحيان كثيرة على إعالة الرجل أو المساهمة معه بالتساوي على النفقة وسد حاجيات الحياة، وإذا كانت تتجاوزه بمهام أخرى كأشغال البيت وأشغال الزراعة في الحقول بالنسبة لنساء في البوادي، وتتجاوزه كذلك بالإنجاب والتربية فليس بعيدا جدا أن نقول أننا في تصاعد سريع نحو مجتمعات أميسية جديدة يقتصر فيها دور الذكر على تلقيح البويضة مثل ذكر النحل، ويصبح بعدها دون أدنى فائدة خصوصا وأن هذه المجتمعات الأمسية الجديدة ستكون مختلفة عن سابقتها لأن المجتمعات الأميسية القديمة كانت في ظروف طبيعية إنسانية، أما اليوم وفي ظل المجتمعات الصناعية أصبحت العلاقة الإنسانية فاترة ويطبعها الحذر والمادية المفرطة، وهذا ما يفسر اليوم هذا العزوف على الزواج فكل واحد يرى في الآخر مشروعا ربحيا وفي غياب أي مصلحة لا يتم الزواج ولا يكتمل فمحدد بناء العلاقات الزوجية اليوم مادي اقتصادي وللأسف لا يوجد أساس عاطفي انساني يكسر جدار المادية والجشع الأنساني.
[metaslider id=22353]
رئيس التحرير - كاتب رأي
صحفي مهني وناشط حقوقي، متخصص في القضايا السياسية والاجتماعية. حاصل على شهادة في الحقوق ودبلوم في القانون الخاص. ساهم في عدة منصات إعلامية وشارك في ندوات دولية مع منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان. التفاصيل في الشفحة الشخصية :
⌈ https://bit.ly/3UntScc ⌉