
“أعطار”: شرارة الأمل تعود للدراما الأمازيغية
©أيقونة : الحسين الراجي - الصور: من صفحة محمد اوعلا //
2025/05/28 :
لطالما انتظر عشاق الدراما الأمازيغية عملاً فنيًا يلامس طموحاتهم ويعيد الأمل إلى شاشاتهم. وخلال شهر رمضان المنصرم، أطل علينا مسلسل “أعطار” ليثبت أنه لم يخذل متابعيه،
“أعطار”: عودة الروح للدراما الأمازيغية
بل أعاد بريق الإبداع إلى المشهد الفني الأمازيغي . ففي زمن سادت فيه الأعمال الفنية التي لم ترقَ لمستوى تطلعات الجمهور، جاء “أعطار” كنسيم منعش، مقدماً نموذجاً مختلفاً للدراما الأمازيغية.
قصة وحبكة: صراع النور والظل في قالب تاريخي
يحمل مسلسل “أعطار” عنواناً فرعياً معبراً: “صراع النور والظل”. تدور أحداث المسلسل في قالب درامي تاريخي شيق، يركز على صراع أبناء حاكم قبيلة على السلطة.
وسط أجواء مشحونة بالتوتر والخيانة، تُحاك المؤامرات والدسائس في أروقة القصر. تتولد من هذه الأحداث شخصية “أعطار”، التي تمثل نقطة الضوء في المسلسل، وتسعى لكشف الحقائق ونبش الأسرار.
أحداث مؤثرة وشخصيات عميقة:
رغم بساطتها، استطاعت القصة أن تأسِر قلوب الجمهور منذ البداية، كونها تجمع بين مجموعة من الثيمات الجذابة مثل الحب، الصراع السياسي، والصراع الاجتماعي، كلها في قالب درامي تاريخي مشوق.
السيناريو، بقلم لحسن سرحان، كان بحق ركيزة أساسية لنجاح هذا العمل الفني. يجسد السيناريو صراع الحق والباطل، والخير والشر، ويصحبنا في رحلة “أنير” (النور)، ابن الحاكم “يوكرتن”، بعد نفيه من القبيلة .
النفي من القبيلة كان أحد أشد العقوبات في القبائل الأمازيغية قديماً، حيث كان التلاحم الاجتماعي هو أساس الصمود والبقاء .
يغادر “أنير” القبيلة ويمتهن مهنة العطار، البائع المتجول بين القبائل، باحثاً عن قوته وعن حبيبته “زينة” التي هربت خوفاً من بطش أخيه “أمالو” (الظل).
خلال أسفاره، يحل “أنير” مشاكل الناس بفضل حكمته، إلى أن يجد مكانه في قبيلة أخرى وينال منصباً رفيعاً.
تتكشف الحقائق تدريجياً، ويعود “أنير” إلى قبيلته ليكشف الأسرار ويلتقي بحب حياته.
ورغم مثالية شخصية “أنير”، إلا أن شخصية “أمالو” الشرير حظيت بعمق أكبر، حيث استعملت المخرجة لقطات الفلاش باك لتظهر لنا كيف تعامل الأب “يوكرتن” معه، وما تعرض له من تهميش وإقصاء، مما منح الجمهور فهماً أعمق لشخصية “أمالو” .
جودة الإنتاج: لمسة إخراجية وسينماتوغرافيا مبهرة
لم يقتصر نجاح “أعطار” على قصته المحكمة فحسب، بل امتد ليشمل جودة الإنتاج البصري والسمعي. فجمالية الصورة في المسلسل كانت نقطة إجماع،
حيث أبدع مدير التصوير عزيز لشكر في تقديم لوحات بصرية فنية غاية في الجمال . عكس المخرجون ببراعة المعمار الأمازيغي الفريد من قصبات وأسواق وأزقة،
بالإضافة إلى الفضاءات الخضراء التي تعكس تعلق الأمازيغ بأرضهم، مما ساهم في إبراز الجانب التاريخي للمسلسل بشكل جيد.
كما لعبت الأزياء والإكسسوارات دوراً مهماً في تجسيد الحقبة الزمنية بدقة، بفضل مهندس الديكور ياسين الزياني ومصممة الملابس أمال بنعياد.
إخراج يلهم وأداء مميز:
تولت المخرجة إلهام العلمي مهمة الإخراج الصعبة لعمل درامي تاريخي يتطلب تمويلاً ضخماً وتجهيزات خاصة.
ورغم ترددها الأولي، تحمست العلمي لخوض التحدي بعد قراءة السيناريو، الذي يجمع بين عناصر نجاح أي عمل فني من صراعات عاطفية، سياسية، واجتماعية,
نجحت “إلهام العلمي” في تقديم رؤية إخراجية متميزة، بأسلوب بصري جذاب وتشويق مستمر، بالإضافة إلى إدارتها المتقنة للممثلين.
أما الموسيقى التصويرية، فكانت على نفس مستوى الجمال والإبداع، حيث قدم الفنان غاني القباج ألحاناً تأسر القلب وتجعل المشاهد يعيش داخل القصة ويتفاعل معها .
طاقم التمثيل: خبرة السنين وطموح الشباب
شارك في مسلسل “أعطار” نخبة من الفنانين الأمازيغ المخضرمين، على رأسهم لحسن سرحان، حميد أشتوك، مليكة إد بوهوش، وغيرهم.
كما شهد المسلسل مشاركة وجوه فنية جديدة واعدة، مثل بطل المسلسل محمد أوعلا، وئام أكنوكي، وسعاد بالخياط .
هذه المبادرة تحسب لمنتجي المسلسل، حيث تساهم في إنشاء جيل جديد من حاملي مشعل الدراما الأمازيغية.
قدم الممثلون أداءً موفقاً ورائعاً بشكل عام . برز بشكل خاص أداء الممثل حميد أشتوك في دور “أمالو” الابن المنبوذ والطامح للسلطة،
حيث تحكم ببراعة في لغة جسده وتعبيرات وجهه لتجسيد شخصية “أمالو” الهشة نفسياً .
كما أبدع لحسن سرحان في تقديم شخصية “المجدوب” الذي يجول في الأسواق متفوهاً بحكم تحمل تحليلاً واقعياً للأحداث .
ورغم أن مسلسل “أعطار” هو التجربة الأولى لمحمد أوعلا في عالم المسلسلات، إلا أنه أبان عن مستوى جيد.
“أعطار”: حمولة ثقافية أمازيغية كبيرة
يُعد مسلسل “أعطار” غنياً بالرمزيات الثقافية الأمازيغية، بدءاً من الديكورات والملابس التي تجسد رموز الحضارة الأمازيغية.
ولم يغفل الكاتب لحسن سرحان عن توظيف أسماء الشخصيات لإضفاء بعد ثقافي آخر ذي حمولة رمزية قوية.
فصراع القيم بين الخير والشر يتماشى مع اسمي الشخصيتين البارزتين: “أنير” (النور) الذي يناصر الخير، و”أمالو” (الظل) الذي يجسد الشر.
كما يضم المسلسل مجموعة من الأسماء الأمازيغية ذات المعنى، مثل “يوكرتن” الذي كان اسم أحد الحكام الأمازيغ القدامى .
أثرى الكاتب المسلسل أيضاً بمجموعة من الحكم والأقوال الشعبية الأمازيغية، سواء في الحوارات أو على لسان شخصية “البوهالي” التي أداها بإتقان .
“أعطار”: مؤشر لنجاح الدراما الأمازيغية المستقبلية
ببساطته وعمق قصته التي قدمت بشكل يحترم المشاهدين، استطاع مسلسل “أعطار” استقطاب عدد كبير من المتابعين والمعجبين .
لقد ابتعد المسلسل عن الصورة النمطية التي اعتاد عليها الجمهور في الأعمال الفنية الأمازيغية الأخيرة.
كانت حلقاته الثمانية مميزة وفارقة في تاريخ الدراما الأمازيغية، ومؤشراً يجب أن يأخذه المنتجون بعين الاعتبار .
فالجمهور لن يقبل بعد الآن ما هو أقل من جودة مسلسل “أعطار”.
هذا المسلسل برهن أن الاستثمار في أعمال درامية جيدة قادر على النجاح، بدلاً من التقوقع في الأعمال الفكاهية التي سقطت في نمطية مهينة.
والدليل على ذلك هو تحسر الجمهور عند انتهاء الحلقات الثمانية، وتمنيهم لو استمر المسلسل لأكثر من ذلك
الكلمات الرئيسية:
مسلسل أعطار
, الدراما الأمازيغية
, أعطار رمضان
, قصص أمازيغية
, مسلسلات تاريخية
, الثقافة الأمازيغية
, لحسن سرحان
, إلهام العلمي
, محمد أوعلا
, حميد أشتوك
, إنتاج درامي
, مسلسلات مغربية
, فن أمازيغي
, تقييم مسلسل
, أعمال فنية أمازيغية
مرحبًا بك في موقعنا الإخباري المثير " أيقونة بريس" ، حيث يتلاقى الحدث بالتحليل، والتقارير بالشغف. نحن هنا على مدار الساعة، جاهزون لنقدم لك أحدث الأخبار الوطنية والدولية، وليس فقط ذلك، بل نغوص أيضًا في عوالم الرياضة، الثقافة، والاقتصاد.
فريقنا المكون من صحفيين محنكين ليسوا فقط خبراء في مجال الإعلام، بل هم أيضًا روّاد في فن السرد. نحن نقوم بتحليل القضايا بشكل شيق ومثير، لنقدم لك تفاصيل لا تجدها في أماكن أخرى.