وثائق بنما: بارونات الوقود الاحفوري ساهمت في تأزم الوضع البيئي

 إذا كان المغرب، أحد دول إفريقيا، وواحد من دول العالم الثالث، يستضيف قمة المناخ 22 في مراكش ابتدءا من 07 نوفمبر من الشهر الجاري، فقد أعلن منذ مطلع سنة 2009 عن نيته في الاستثمار في الوقود الاحفوري أحد أهم النشطات الصناعية المضرة بكوكب الأرض ومسببة للاحتباس الحراري في العالم، حيث شارفت على إنهاء شركات صناعية متعددة الجنسيات ومن بينهم الشركة الفرنسية (engie ) المتورطة في الإفراط في استخدام الفحم الحجري لتنمية أرباحها،وذلك في مدينة آسفي وسط المغرب حيث يجري توطين مشروع محطة حرارية تعمل بالفحم الحجري.

واظهرت وثائق بنما المسربة التي يبلغ عددها عشر مليون ونصف المليون وثيقة، إذ بلغ حجم المعلومات التي احتواتها تلك الوثائق 2.6 تيرابايت، أي ما يعادل 2600 جيجابايت، بعضاً من أقوى وأغنى الأشخاص في العالم وثرواتهم الضخمة، من خلال الملاذات الضريبية -الآمنة- والشركات الوهمية في الخارج، إذ تم استخدام الفساد والتهرُّب الضريبي وغسيل الأموال بفاعلية منقطعة النظير.

وتتعلق فضائح الفساد الكبرى التي كشفت عنها وثائق بنما بشركة النفط “بتروبراس” المملوكة جزئيا للدولة في البرازيل، ارتبطت هذه الفضائح بساسيين وشركات بناء ضخمة ومدراء تنفيذيين لدى بتروبراس، وهنا يظهر مجدداً بأن صناعة الوقود الأحفوري لم يفتك فقط بالكوكب، وإنما بديموقراطيات البلدان حيث عانت البرازيل من الركود الإقتصادي وسوء إدارة البلاد من خلال النخب السياسية، الأمر الذي دعى للتفكير في طرق جديدة للنمو وتعزيز قطاع الطاقة النظيفة من خلال تنفيذ خطط تتعلق بالتغير المناخي.

أما في المملكة المتحدة والولايات المتحدة واستراليا أصبح ملحا أيضا في هذه البلدان أمر التخلص من الوقود الأحفوري بسبب فضائح الرشوة، حيث كشفت وثائق بنما كيف أن شركة “رولس رويس” البريطانية وشركة “لايتون هولدنجز” في استراليا والشركات الأمريكية “هاليبرتون، وهانيويل، وKBR، و FMC تكنولوجي” دفعت ملايين الدولارات كَرِشاً للفوز بعقود في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وأفريقيا من خلال شركة Unaoil في موناكو.

وفي جنوب إفريقيا نجد أن الفساد هنا تعلق بعائلة غوبتا والتي كانت مؤخراً مثيرةً للجدل، لعلاقاتها الوثيقة مع الرئيس الجنوب إفريقي، حيث أنه يُعتقد ومن خلال شبكة علاقات هذه العائلة الثرية بأنها حصلت مؤخراً على عقود توريد الفحم الحجري لشركة “إكسوم” لتوليد الكهرباء. وأظهرت المفوضية الأوروبية للطاقة وتغير المناخ كيف تورط بارونات النفط في السعودية وقطر وأنجولا والكونغو، وحتى “ميغيل أرياس كانيت” المفوض الأوربي للطاقة والمناخ في هذا احتيال المتاجرة في الوقود الاحفوري وتلويث المناخ، و ليست هذه هي الحالة الوحيدة التي ثبت فيها بأن صناعة الوقود الأحفوري تشارك بشكل فعال في الفساد والممارسات المناهضة للديموقراطية في مناطق صناعته.

لقد أظهرت فضيحة “يونا أويل” Unaoil الأخيرة كيف أن شركات النفط المتعددة الجنسيات دفعت ملايين الدولارات كرِشاوى للفوز بعقود التنقيب عن النفط في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وأفريقيا، من خلال الشركة الإستشارية Unaoil والتي أطلق اسمها على الفضيحة المذكورة، والتي مقرها موناكو في فرنسا، هذا يؤكد أن شركات الوقود الأحفوري متورطة في الفساد منذ سنوات طويلة جداً.

من الملاحظ أن صناعة الوقود الأحفوري والتحامها مع جماعات الضغط الكبرى، لم يضر فقط بكوكبنا من خلال إنبعاثات المزيد من الغازات الدفيئة التي خلقت ظاهرة الإحتباس الحراري وتغير المناخ وتطرفه، لقد وُجد أن ذلك أضر أيضا بنظامنا الديموقراطي من خلال الممارسات الفاسدة من دفع الرشاوى والتهرب الضريبي لتحقيق أهدافها كشركات، والتي تؤثر في نهاية المطاف على حكومات بلادنا. لم يعترف اللوبي الأحفوري بوجود تلك الأضرار المحتملة لتغير المناخ وعمل طويلا وفقا لذلك، حيث أظهر التحقيق الذي دام لسنوات عندما أعلن مدعي عام نويورك كيف أن شركة “إكسون موبيل” وهي أكبر شركة للطاقة في العالم، كيف أنها علمت في وقت مبكر من عام 1977 حول تغير المناخ إلى الأسوأ، وكيف أنها أخفت تلك الوثائق والمعلومات طويلا في سبيل تحقيق المزيد من الأرباح! إذ أن ذلك لم يمنع الشركة من الإستمرار لسنوات طويلة في نشاطها مع عدم إعترافها بالتغير المناخي حتى أنها سعت لضليل العالم حول ذلك.

الوقود الأحفوري القذر لن يكون جزءً من مستقبلنا المشترك، ليس فقط لأنه سبب مباشر في ظاهرة الإحتباس الحراري وتطرف مناخ كوكبنا، بل لأنه أيضاً جزءً لا يتجزأ من نظام كوكبنا السياسي الفاسد القديم والذي نسعى لتغييره والتخلص منه وتركه من خلفنا. لقد لاحظنا من خلال هذه الرشاوى والفساد والفضائح التي تعلقت بصناعة الوقود الأحفوري، كيف أنها أدت إلى تآكل ديموقراطيات الكثير من البلدان حول العالم، بينما أفنتها تماماً في بلاد أخرى، إلى جانب مساهمتها المميتة في الإضرار بكوكبنا، نحن الآن بحاجة أكثر من أي وقتٍ مضى للإبقاء على الوقود الأحفوري المتبقي داخل مكمنه هناك في باطن الأرض، الأمر الذي سيسهم بشكل فعال بإيجاد نظام ديموقراطي أفضل وحقيقي وأكثر شفافية، في كل البلدان التي عانت في أتون فساد اللوبي الأحفوري الدولي، وأيضا حماية كوكبنا من خطر تغير المناخ وتفاقم ظاهرة الإحتباس الحراري.

  • الوقود الأحفوري Les combustibles fossiles (charbon, pétrole, gaz naturel…)

هي المنتجات من التغيير البطيء جدا على مر الزمن الجيولوجي والفضلات العضوية المتراكمة في بعض الرواسب

Print Friendly, PDF & Email
Author profile

صحفي مهني وناشط حقوقي، متخصص في القضايا السياسية والاجتماعية. حاصل على شهادة في الحقوق ودبلوم في القانون الخاص. ساهم في عدة منصات إعلامية وشارك في ندوات دولية مع منظمات المجتمع  المدني وحقوق الإنسان ( تفاصيل السيرة الذاتية)