على متن القطار

في القطار بين سيدي يحي ومركز “تصفية الكلي” كفاح الحياة بين المسافرين

ايقونة بريس |  حمزة زعيمي //
  • الحدث : بلا عنوان.
  • الزمان:لساعة تشير إلى 6 مساء.
  • المكان :محطة القنيطرة.

القطار قادم من العاصمة بعد أن تأخر كعادته حوالي ربع ساعة، تدافع وتزاحم حول باب المقطورة “خويا واش هاد البلاصة خاوية” جملة تتردد بين شفاه المسافرين، هي أشهر ما يمكن سماعه في وقت الذروة.

جلست في مقعد على النافذة وسط المقطورة أمامي امرأة سمراء في نهاية عـِقدها الرابع ترتدي نظارات طبية، خجولة الابتسامة، تكبحها كبحا أثناء سماعها لحديث جانبي رفقة صديق لي حجزت له مكانا بجانبي رغم تأخره في ولوج المقطورة … بجانبها شاب عشريني متقد الحماس عيناه لا تبرحان مكانا، دائم الالتفات ذات اليمين وذات الشمال!!! هدير مرور القطار فوق السكة ممزوج بأصوات المسافرين على اختلاف حِـواراتهم و لهجاتهم. متذمرون من تأخر القطار.

مستاؤون من الزحام و آخرون حديثهم حول الاختبارات الجامعية و توقعات النتائج، حديث صاخب هناك حول حظوظ المنتخب في كأس افريقيا (خيبة كالعادة و الحمد لله) حركة غريبة خلفي، أفواج من الشباب تتدافع بين صفي المقاعد.

انه الكنترول قادم طأطأت رأسي، و انغمست في هاتفي و أحوال الاقوام الافتراضين في العالم الأزرق – أخبار، صور، منشورات… هاربا من هموم ومشاكل تتناطحني منذ بداية السنة الجديد، علني أجد فسحة لحظية أو مخدرا موضعيا لجراح الزمن وآلمه، طق طق صوت إعتاد ركاب القطار سماعه، انه صوت مكينة ثقب بطاقات الركاب، الصوت في مقعد صديقي، الكنترول بجانبنا و يطلب البطاقات حاملا هاتفي بيميني والبطاقة بشمالي ودون ان ألتفت له أمددته بالبطاقة  وعيني لا تكاد تبرح هاتفي،  انه الخوف من ان ينقطع حبل الوصال بيني وبين المهدئ بيني وبين منشور فيسبوكي حول طفل صغير يحتاج لعملية .

الشاب العشريني هرب مع أمواج (السليتين) ما إن رأي عدوه قادما،  الان فهمت تموقعه وسط المقطورة  وحركات اعينه واتقاد حماسه المرأة أمامي تستخرج اوراقا من كيسها البلاستيكي، بادرها  الكنترول الشاب ذو ذقن لطيف بالقول ” لوريقة الالة”، المرأة تشهر اوراقها الذابلة ذبول سنوات عمرها ” كندير التصفية اولدي” تصفية الكلي، ذاك الداء اللعين انجانا و انجاكم الله من لمسه وهمس الكنترول لها “فين غادي تنزلي: “فسيدي يحي”

الآن اكتشفت سر ابتسامتها الخجولة،  انها تكافح من اجل حياة لن تعيدها تلك الابتسامات المسروقة في القطار بين سيدي يحي ومركز تصفية الكلي.

تنهدت، حزنت أو ابتسمت لم تعد لمشاعري قيمة من هول الموقف، غضبت على نفسي واستخفاف واستهزاء بقزم همومي ومشاكلي شتان بين البين،  صراع من اجل الحياة في دقائقها الاخيرة  و مناوشات حياة مراهقة يمكن تركيعها بأبسط درس في الصبر و المناورة.

المرأة تلملم أوراقها القطار وصل لسيدي يحي خجلا من الموقف طأطأة رأسي وانغمست في هاتفي ثانية وكتبت

الحدث، الزمان، المكان.

 

Print Friendly, PDF & Email
Author profile
رئيس التحرير - كاتب رأي | lmossayer@iconepress.com | https://bit.ly/3QSuFzV

صحفي مهني وناشط حقوقي، متخصص في القضايا السياسية والاجتماعية. حاصل على شهادة في الحقوق ودبلوم في القانون الخاص. ساهم في عدة منصات إعلامية وشارك في ندوات دولية مع منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان (السيرة الذاتية : https://bit.ly/3xz1zON)