إلى أين يسير المغرب؟

ايقونة بريس- محمد المسير

يسير العالم اليوم نحو شمولية النظام الرأسمالي النيوليبرالي، الذي يعتمد في أسسه على الحرية الفردية والمبادرة الخاصة، أي العودة إلى النشاط الاقتصادي الذي يسمح بالثراء الواسع للأفراد ولو على حساب المجتمع، في نفس الوقت يتم الترويج على أنه، يمكن تحقيق الانطلاقة الاقتصادية لدول العالم الثالث باستخدام التكنولوجيات لأنها تسرّع خطى التـنمية بعيدا عن مراحل النمو “لروستو” حتى أصبحت فترات الاستقرار الاقتصادي قصيرة جدا باعتبار أن الدورات الاقتصادية باتت متعاقبة إلى درجة لا نفرق بين الرواج الاقتصادي والانكماش.

وعلى هذا الأساس يتجه المغرب نحو اقتصاد السوق بعدما جرب نماذج تنموية مختلفة (المخطط الأخضر في المجال ألفلاحي، مخطط رواج في المجال التجاري، مخطط الإقلاع الصناعي في مجال الصناعة والخدمات، مخطط اليوتيس في مجال الصيد البحري….) دون الأخذ بعين الاعتبار أولوية تلبية الحاجيات الضرورية للمواطنين وتحسين مستوى عيشهم وحياتهم وتطوير معارفهم العلمية والعملية.

إن العولمة التي نتحدث عنها هنا تستهدف تحويل كل شيء إلى سلعة، من خلال سعيها إلى الاستيلاء على قطاعات اقتصادية كانت إلى حد ما خارج سيطرته، ليس بالمنطق الجغرافي وحسب، وإنما يريد أن يلج جميع الخدمات العمومية من صحة وتعليم، وطاقة، ووسائل النقل والاتصال، والإعلام والثقافة باعتبارها مجال ممكن للتوسع. فإذا أصبحت الصحة سلعة سيعالج البشر بحسب الدخل وليس لخطورة المرض، كما هو الحال بالنسبة للتعليم من يملك المال يمكن أن يدرس أبنائه وفي ارقى المعاهد والمؤسسات التعليمية، ومن لا يملكه يحرم من هذا الحق.

لقد سبق للبنك الدولي أن أعد تقريرا بعنوان “من أجل عقد اجتماعي مغاير” ينتقد أداء الإدارة العمومية بمنطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط” ويدعوا الحكومات إلى التخلي عن مجانية الخدمات العمومية الأساسية، وذلك بعد الدعوة التي أطلقها البنك الإفريقي للتنمية أواخر 2014 بشأن “رفع الدول يدها عن الخدمات العمومية”.

وبما أن المغرب تلميذ نجيب في علاقته مع المؤسسات المالية الدولية فقد سعى بكل جهده إلى ترجمة تقاريرها وتوصياتها من خلال التسريع بوثيرة خصصة الخدمات العمومية، وإلغاء دعم المواد الأساسية، وسن قوانين تراجعية (قانون الإضراب، قانون التقاعد، قانون الصحافة، التشغيل بالعقدة…)، وفي نفس السياق يتم حرمان الميزانية العامة من موارد حقيقية، عبر التخفيض المتنامي في الضرائب على الرأسمال، وفي إعفاءات ضريبية متتالية، تصل سنويا أكثر من 30 مليار درهم.

لقد جعل اقتصاد السوق المغرب، مجالا مفتوحا لنهب الثروات والاستغلال الفاحش للخيرات من خلال تسخير الدولة كل مجهوداتها للرأسمال الأجنبي كتخصيص صناديق الدعم، وتوفير الوعاء العقاري، والضمانات القانونية في إطار ما تسميه ” تشجيع جلب الاستثمارات الأجنبية” مما افقد المغرب سيادته على ثرواته وخدماته المرهونة للرأسمال.

هنا نلمس السبب الحقيقي في تخلف اقتصاد المغرب، والذي نجده في طبيعة نظام الدولة، والتحكم في آليات الاستحواذ على الثروات من قبل الرأسمال الأجنبي والمحلي المرتبط به، فالمغرب تحكمه ومند زمن بعيد لائحة من العائلات القليلة والمعروفة (اخنوش، الكتانِي، الصفرِيوِي، بن جلُّون، الشعبي، التازي…) والتي تتوارث أبا عن جد مسؤوليات جهاز الدولة وحسم قراراته الكبرى، مما يسمح لها بالهيمنة على “مجال المال والأعمال” ومراكمة ثروات هائلة، تراهن عليه المؤسسات المالية الدولية للإقلاع الاقتصادي، لهذا نجدها تلجئ إلى الرأسمال الأجنبي بمبرر “تشجيع الاستثمارات الأجنبية” من أجل تدوير سريع للرساميل، وتهريب الأموال إلى الخارج التي أنتجت أساسا عن مضاربات واستثمارات تتم هندستها في أعلى مستويات سلطة القرار.

لقد أثار إعلان صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، في اجتماعه السنوي لسنة 1999 شكوكا كبيرة، عندما أعلن أن ” الحد من الفقر سيكون من الآن فصاعدا هدفهم الأسمى” وهو شك له ما يبرره فتاريخ صندوق النقد الدولي يظهر أنه قد ارتقى بالحاجة إلى “الاستقرار” المالي والنقدي فوق أي اهتمام آخر.

إن الإصلاحات التي يوصي بها صندوق النقد الدولي، لم تحسن أحوال الطبقات الشعبية، بقدر ما رفعت واجبات عمومية من المفترض أن تقوم بها الدولة، وصار المواطن البسيط يدفع ثمن تلك الإصلاحات، لعدم جاهزيته لمسايرات الأسواق الحرة.

Print Friendly, PDF & Email
Author profile
رئيس التحرير - كاتب رأي | lmossayer@iconepress.com | https://bit.ly/3QSuFzV

رئيس التحرير - كاتب رأي

صحفي مهني وناشط حقوقي، متخصص في القضايا السياسية والاجتماعية. حاصل على شهادة في الحقوق ودبلوم في القانون الخاص. ساهم في عدة منصات إعلامية وشارك في ندوات دولية مع منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان. التفاصيل في الشفحة الشخصية :

⌈ https://bit.ly/3UntScc ⌉