مجانية التعليم بالمغرب فتش عن البنك الدولي !
ايقونة بريس - مراد المخنتر
في إحدى الندوات حول “السياسات العمومية الخاصة بالشباب” سئل أحد المختصين في المجال عن السر وراء أن أغلب المفاهيم المتداولة في عدة تخصصات من إنجاز البنك الدولي، فكانت إجابة المختص،بشيء من التهكم،”يبدو أن البنك الدولي يدفعجيدا للخبراء”
هكذا، نجد جل المفاهيم المتداولة في الدراسات الدولية تعود إلى تقارير البنك الدولي، وقد اخترقت هذه المفاهيم حتى بعض التخصصات المهمة كعلم الاجتماع. وفرضت نفسها في البحوث التي ينجزها الطلبة والأساتذة.
طبعا يمكن أن تكون تلك الدراسات، منجزة بحسن نية ولا تنقصها المنهجية العلمية، لكن منطلقاتها غير محايدة وتخضع لمرجعيات معينة، قد لا تستقيم مع مصالح الدول الموجهة إليها.كما أن الطرق التي تفرض بها توصيات تلك الدراسات لا علاقة لها بالبحث العلمي.
قدم البنك الدولي في تقرير له، توصية للمغرب بخصوص دعم الدولة لمجانية التعليم، تنص على إعطاء أهمية للتعليم الخصوصي، وعدم الاعتماد بشكل كبير على الدولة المركزية في الدعم[1].غير أن التقييم الذي قام به المجلس الأعلى للتعليم، لا يدعم هذا التوجه ولا يبرره، حيث أن هذه التوصية، لا تنطلق من معطى أو تشخيص واقعي.
وضعت الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030، في الرافعة التاسعة عشرة، على عاتق الدولة “تأمين التعلم مدى الحياة والمساواة”[2]، ومعنى التأمين هنا، أن الدولة تضمن وتؤمن لكل مواطنيها الولوج للتعليم في جل أسلاكه. غير أنها حددت مسؤولية الدولة في التعليم الأولي والابتدائي والإعدادي واستثنت من ذلك التعليم الثانوي والتعليم العالي. وقد أوصت الاستراتيجية بتضمين توصياتها في قانون إطار يصادق عليه البرلمان من أجل أن تصبح توصياتها ملزمة بحكم القانون. و شكلت من أجل ذلك لجنة تقنية مكلفة بإعداده. ولما وضعت مسودة مشروع القانون طلبت اللجنة من المجلس الأعلى للتربية والتكوين أن يقدم ملاحظاته بشأنه، ومن بين الملاحظات التي تقدم بها المجلس، أن مشروع القانون لم يأخذ بعين الاعتبار ماجاءت به الرؤية في مسألة التمويل، وقد أوصى المجلس ب :
- التزام الدولة بضمان مجانية التعليم الإلزامي: الأولي؛ الابتدائي؛ الإعدادي(من 4 إلى 15 سنة من العمر)؛
- عدم حرمان أي أحد من متابعة الدراسة بعد التعليم الإلزامي لأسباب مادية محضة، إذا ما استوفى الكفايات والمكتسبات اللازمة لذلك؛
- اعتماد مبدأ التدرج في إحداث وتطبيق رسوم التسجيل ما بعد التعليم الإلزامي، مع تطبيق مبدأ الإعفاء الآلي على الأسر المعوزة..[3].
وخلقت هذه الملاحظات جدلا واسعا، حيث اعتبرت تراجعا من الدولة عن مجانية التعليم، جعلت المجلس الأعلى للتربية والتكوين يسارع إلى توضيح المسألة حيث جاء في بلاغه: “فإن رسوم التسجيل هي مجرد شكل من أشكال التضامن الوطني، يتجلى في مساهمة الأسر الميسورة في حسن سير المدرسة ونجاعة أدائها. ومن تم، فهذه الرسوم لا تشكل بأي حال من الأحوال المقابل المالي لتكاليف الدراسة، ولا تفيد أي تراجع عن مجانية التعليم والتكوين[4].
غير أن جل التشخيصات، سواء التي قام بها المجلس الأعلى لتربية والتكوين أو التي قامت بها جهات أخرى، تبين أن الإشكاليات التي تحول دون تطبيق الإصلاح غير متعلقة بالموارد المادية، كما أن مساهمة الأسر في تمويل التعليم العمومي لن تشكل سوى نسبة محدودة جدا. إضافة إلى أن الأسر الميسورة، التي يعول عليها في أداء رسوم التسجيل، غالبا ما تسجل أبناءها في المدارس الخاصة،غالبية و المسجلين في التعليم العمومي ينتمون إلى أسر معوزة أو في وضع الكفاف.
وفي تقييمه لتطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين نجد أن المجلس الأعلى يؤكد على أن هناك دول حققت نتائج أفضل من التي حققها المغرب رغم أن الميزانية التي رصدتها تلك الدول للتعليم أقل من الميزانية التي يخصصها المغرب،حيث جاء في تقييم المجلس أن ” النتائج التي حققها المغرب تبقى دون المستوى الإمكانات المرصودة للقطاع، فهناك بلدان عديدة حققت نتائج أفضل بموارد أقل (الشيلي وتركيا مثلا)”[5]،هذا بالإضافة إلى أن الوزارة المعنية لا تستنفذ كل الموارد المادية المرصودة لها :”ويبين هذا التفاوت في الميزانيات المرصودة والنفقات الحقيقية، عجز مصالح التربية والتعليم، عن تحقيق التوقعات الواردة. بمشاريع البرنامج اللاستعجالي، خصوصا على مستوى بناء المؤسسات التعليمية، وهو ما يبرهن على أن الموارد المرصودة لا تستنفذ كلها دوما، وذلك لعدة أسباب، مما يؤخر إنجاز البنايات ويعرقل الزيادة في الطاقة الاستيعابية للوافدين الجدد من المتعلمين”[6].
وفي حين تتحدث الحكومة عن فرض رسوم التسجيل على التلاميذ في المستوى الثانوي، نجد أن التلاميذ الذين يصلون إلى السلك الجامعي ضعيف جدا، والأرقام بهذا الصدد جد مقلقة فنسبة التلاميذ اللذين يصلون إلى الجامعة لا تتجاوز %9 وضمن هذه النسبة فإن 64 %يغادرونالتعليم العالي دون الحصول على شهادة 25% منهم من يغادرون الدراسة في السنة الأولى من الإجازة و%40 بعد سنتين من الدراسة و%20 بعد السنة الثالثة[7]. ومع فرض الرسوم على المرحلة الثانوية سنجد تقلص اعداد التلاميذ اللذين يصلون إلى السلك الجامعي.
إن جعل المشكل في عدم تحقيق الإصلاح التربوي المنشود طيلة عقود في إشكالية الموارد المالية، هو تبخيس و تلخيص مخل، فالإشكالية الحقيقية غير بعيدة عن قضية تحديد المسؤوليات بدقة ومحاسبة المخلين بها، وقد أشار المجلس الأعلى نفسه لذلك، بقوله أن الحكامة في التعليم بحاجة إلى حكامة، أي “حكامة الحكامة” وهو مفهوم لم يجرأ خبراء البنك الدولي على صياغته !
______________________________________________________________________
[1]البنك الدولي يدعو المغرب للابتعاد عن مجانية التعليم والتطبيب.
https://www.hespress.com/politique/261133.html
[2]الرؤية الإستراتيجية للإصلاح 2015-2030 ،ص 57.
[3]رأي المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في مشروع القانون الإطار لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، ر أي رقم 2/ 2016.
[4]بيان توضيح للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، الرباط في 29 نونبر .2016
[5] تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين 2000-2013: المكتسبات والمعيقات والتحديات، ص 17.
[6]نفسه، ص 22.
[7] تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين 2000-2013: المكتسبات والمعيقات والتحديات، 2014م، ص 109.
رئيس التحرير - كاتب رأي
صحفي مهني وناشط حقوقي، متخصص في القضايا السياسية والاجتماعية. حاصل على شهادة في الحقوق ودبلوم في القانون الخاص. ساهم في عدة منصات إعلامية وشارك في ندوات دولية مع منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان. التفاصيل في الشفحة الشخصية :
⌈ https://bit.ly/3UntScc ⌉