تقرير: طانطان حكاية “مدينة مهمشة” تعيش النسيان وترزح تحت نيران الفساد
® ايقونة بريس - امحمد اقللوش ِ
تـُعد مدينة طانطان أو مدينة العبور كما يحلو لأهلها تسميتها، همزة الوصل بين شمال البلاد وجنوبها، مدينة ساحلية تقع جنوب المغرب، وتبعد عن المحيط الأطلسي مسافة خمسة وعشرين كيلومتراً، وحسب إحصائيات سنة 2014، يبلغ عدد سكانها 73,209 ألف نسمة، موزعة بين المدينة القديمة تسمّى “طانطان المدينة” والمدينة الساحلية الجديدة تسمّى “الوطيّـة” التي تبعد عن طانطان المدينة بحوالي 25 كلم.
تستقطب المدينة عددا كبيرا من الأفراد القادمين إليها من مدن مجاورة ومن مدن مختلفة بفعل النشاط البحري للميناء أو من أجل الاصطياف خلال فترة الصيف، عـِلما أن مدينة طانطان ضلت منطقة للتبادل الحر إلى حدود استرجاع الأقاليم الصحراوية إلى المغرب سنة 1975 حيث تحولت المدينة إلى ثكنة عسكرية وتقلص إشعاعها ليحل محلها نشاط الصيد البحري.
ويتوفر إقليم طانطان على مطار يعتبر الأكثر دينامية مقارنة مع المطارات الأخرى جهة كلميم السمارة ويقع على مساحة 1.300 متر مربع ويستخدم للنقل العسكري والمدني، كما تتوفر المدينة على ميناء تم إنشاؤه سنة 1982 يستجيب لمتطلبات صيد أعالي البحار والصيد بصفة عامة ويضم مرافئ السفن وناقلات الحمولة وأرصفة وحواجز وقائية ومنحدرات السفن ناهيك عن تدعيم هذه البنية التحتية بمنطقة صناعية تضم أهم الوحدات لمعالجة تصبير الأسماك تستغلها شركات القطاع الخاص.
كما أن هذا الميناء الذي يُعتبر الوحيد بالجهة، ينفرد بصدارة الموانئ المغربية من صيد الأسماك التي تتميز بغـِناها وتنوعها.
مؤهلات سياحية تنتظر كشف الستار
مصبّ واد درعة: يمتد شاطؤه على بعد 1200 متر من طانطان الشاطئ، يعد مَحَجّا للمصطافين من كل مكان وخصوصا من الأقاليم الجنوبية المجاورة للمنطقة.
مصب وادّ الشبيكة: ذو الشهرة العالمية ويوجد على الطريق الوطنية الرابطة بين طانطان والعيون ويتميز بشاطئه ذي الرمال الذهبية والكثبان الرملية في تناسق بديع مما يجعله محط اهتمام العديد من المستثمرين.
واحات وين مذكور: تقع شمال غرب تلمزون وتشكل منظرا فريدا من نوعه بالمنطقة بنخيلها وبِركها المائية الساحرة.
طانطان الشاطئ: أو “مدينة الوطيّة” وتشهد نهضة عمرانية مهمة بفضل الرواج الذي يعرفه قطاع الصيد البحري بها، وتتميز بالدفء خلال فصلي الشتاء والصيف مما يجعلها قبلة للسياح الأجانب.
كما يزخر الإقليم كذلك بعدة مواقع أثرية لا تخلو من أهمية كمغارات “واد بولمغاير” والخلوة واد بوعاكة، وواد الواعر، وواد الجريفة، وقبر “الرجل العملاق” بمقبرة الرحال، وسلسلة من التلال الرملية والنقوش الصخرية المكتشفة “بازكر” خلال السنوات الأخيرة عن طريق الصدفة من طرف إحدى النساء، حيث تحتوي على رسوم صخرية تمثل صورا لثور ومجموعة من الصيادين أو القناصة في حالة رقص إضافة إلى عربة لا تجرها الخيول، إلا أنها توجد في مكان بعيد يتميز بوعورة تضاريسه، وهي منطقة أثرية تحتاج للحماية والى المزيد من الاهتمام، خاصة أنها توفر أصنافا سياحية جديدة كالصيد والقنص والرحلات على ظهر الجمال والجولات بالدراجات النارية والسيارات.
هي إذا مجموعة من المناظر الساحرة والخلابة، ومؤهلات الطبيعية، ساعدت في استقطاب السياح المولوعين بالبحث عن السكون والسكينة إلى جانب صفاء البحر والطقس الصحراوي النقي الذي يوفر مستلزمات الراحة والاستجمام والتمتع إلى أبعد حد وقد أدى ذلك إلى تزايد اهتمام الشركات العالمية وعدد كبير من المستثمرين الأجانب.
[metaslider id=23158]
موروث ثقافي بمواصفات عالمية
يعد موسم طانطان الذي انطلق أول مرة منذ سنة 1963، من أبرز ما تشتهر به المدينة، غير أنه توقف مند 1975، لأسباب سياسية، بعد أن تحول إلى ثكنة عسكرية لاسترجاع الأقاليم الصحراوية، ليعود من جديد سنة 2003، بحلة جديدة تجسد التراث الشعبي الأصيل، من خلال استحضار العادات والتقاليد، والمنتجات الصناعية التقليدية، ومن خلال محاكاة حياة الصحراء بمشاركة كافة القبائل والفرق من مناطق الجنوب الغربي، والفرق الفلكلورية من مالي والسنغال وموريتانيا والنيجر، والقبائل الصحراوية بمنطقة الخليج، في أكبر تجمع للإبل في العالم، ويحتضن كذلك سباقا للجمال والفروسية ويضم عشرات الأجنحة تضم كل ما له علاقة بالموروث الثقافي وبعيش الإنسان الصحراوي بهذه المنطقة، والأنشطة التي كان يزاولها منذ أزمنة قديمة والمعروضة في الخيام المنصوبة على مرمى البصر.
خلال سنوات استطاع “موسم الموكار” أن يعطي للمدينة شهرة عالمية مكنته من أن يتحول إلى تراث شفوي إنساني من خلال منظمة اليونسكو والذي يستقبل شخصيات ووفود عربية وعالمية من مختلف القارات وفي مجال الفن والمسرح والسينما والرياضة والثقافة.
وتجدر الإشارة إلى أن “موسم الموكار” كان يحمل في السابق اسم الوالي الصالح الشيخ “محمد لغضف” ويقام بالقرب من ضريحه وكانت تحج إليه إلى جانب القبائل الصحراوية المغربية قبائل من جنوب إفريقيا كالسينغال ومالي ومن الجزائر وموريتانيا من أجل إحياء صلة الرحم وجمع شتات القبائل ومن أجل التبادل التجاري.
[metaslider id=23145]
تهميش وإقصاء عنوان لمدينة معطاء
رغم توفر المدينة على كل هذه المؤهلات الثقافية والسياحية والاقتصادية، إلا أنها تعيش حالة من العزلة وانحراف تام عن مسلسل التنمية المنشودة، إلى أجل غير مسمى فهي مدينة أعطت ولا زالت تعطي كل ما في جعبتها، غير أن واقع الحال يكشف فوارق اجتماعية خطيرة تحمل في طياتها الفقر والتهميش والإقصاء، كعنوان لتنمية مزعومة، فالمدينة تفتقد إلى مرافق سوسيو- ثقافي، وترفيهية ورياضية، ومرافق صحية باستثناء المستشفى الإقليمي “الحسن الثاني” الذي تنعدم فيه أبسط الوسائل من طاقم طبي ومعدات لوجيستيكية، وهو ما تشهد به عدد من الاحتجاجات المتكررة والمستمرة لأبناء المنطقة، حتى أصبح ينعت بمستشفى “المحطة الطرقية” دوره يقتصر على إرسال المرضى إلى مستشفيات المدن المجاورة، كما تغيب عن المدينة مشاريع اقتصادية قادرة على امتصاص الأعداد المتزايدة من الشباب المعطل، فشبح البطالة يخيم على المدينة، ويثقل على قلوب وجيوب الآباء، مما يتسبب في ظهور عدد من تنسيقيات للمعطلين بأحجام وأشكال متفاوتة، تطاردها السلطات عبر الأزقة والشوارع في مشاهد أصبحت مع تكرارها تؤثث الفضاء العمومي للمدينة.
وبالعودة إلى الصيد البحري كنشاط اقتصادي أساسي، بل ويمكن اعتباره المورد الاقتصادي الوحيد للمدينة، إلا أنها لا تستفيد منه بالشكل المطلوب اقتصاديا وتجاريا وبيئيا، لأن الميناء تابع لجماعة “ألوطية” مما يجعلها المستفيد الأساسي من موارده الاقتصادية، كما انه نشاط موسمي ينشط خلال فترات محددة، ويؤكد عدد من المراقبين والمهتمين إلى وجود تلاعبات خطيرة بالمنتجات السمكية بسبب التهريب والصيد العشوائي، وخرق واضح لفترات الراحة البيولوجية، بسبب احتكار لوبيات لتراخيص الصيد، والأنشطة التجارية في الميناء، مما يطرح تساؤلات حل أدوار الوكالة الوطنية للمواني كمؤسسة وصية على القطاع.
وضع بيئي مأزوم يدق ناقوس الخطر
تعيش أحياء مدينة طانطان وتخومها المجارة، وضعا بيئيا مزريا، يستدعي دق ناقوس الخطر جراء الروائح الكريهة المنبعث من معامل تصبير السمك، ومعامل تصنيع العلف، بالإضافة إلى روائح “الواد الحار” يضطر معها السكان إلى إغلاق الأبواب والنوافذ دون جدوى، ناهيك عن المياه العادمة والنفايات الصناعية السامة التي تقذف في البحر تحت أنظار المواطنين والمصطافين، ويتفاقم الأمر مع تكدس النفايات في مطرح الأزبال القريب من المدينة دون احترام معايير السلامة البيئية، مما يتسبب في أمراض الربو والحكة، والألم على مستوى العين، كما يساهم في انتشار الذباب والناموس وقد عبّـر السكان المتضررين عن غضبهم واحتجاجهم ضد السلطات المعنية أكثر من مرة دون أن تجد احتجاجاتهم أذان صاغية.
التهريب والتجنيد، ملاذ الشباب الباحث عن فرص البقاء
تنشط داخل مدينة طانطان شبكات حيوية ومنظمة للتهريب، في نشاط شبه علني، وذالك على طول الخط الساحلي، في علاقة مشبوهة مع عناصر تنشط داخل مخيمات “تيندوف” حيث معقل مافيا التهريب من وإلى منطقة الساحل وجنوب الصحراء الكبرى، أبطالها أفراد يبحثون عن لقمة العيش، ورجال أعمال محليين، بينما تتشابك باقي خيوطها مع أعيان ومنتخبين ورجال السلطة، من خلال شراء الذمم، ونقاط التفتيش، عبر مدينة كلميم بوابة الصحراء، مرورا بطانطان إلى طرفاية وبوجدور، وصولا إلى العيون، والسمارة التي تبعد عن الخط الحدودي ببضع كيلومترات فقط، في عمليات تكلف خزينة الدولة ما يفوق التسعة ملايير سنيتم سنويا حسب إحصائيات سنة 2011 لإدارة الجمارك بالجنوب، حيث يتم تهريب (الوقود، السجائر، مواد مدعمة موضوع المقاصة، والتي ترسلها الدولة خصيصا إلى الجيش والثكنات العسكرية بالصحراء من دقيق والشاي والسكر والنيدو، كما يتم تهريب مخدر الشيرا، والكحول).
هنا لابد من الإشارة أنه في ضل غياب مشاريع اقتصادية مُدرة للدخل، وضعف القدرة الشرائية للمواطنين، فإن هذه التجارة غير الشرعية تعيد تشكيل روابط تجارية حجبت لوقت طويل من خلال المعطيات السوسيو- اقتصادية لبلدان المنطقة، باستغلال الفرص الممكنة التي تخلقها الحدود لكل الشعوب، رغم ما لهما من مخاطر اقتصادية واجتماعية تستدعي تعميق النقاش حول النموذج التنموي المنشود، خاصة بالمناطق الجنوبية.
كما أن مدينة الطانطان تضم أكبر تجمع للمجازين المعطلين في جهة كلميم واد نون، رغم الخصاص المهول الذي تعرفه عدد من القطاعات الحيوية بالمغرب، نتج عنه لجوء جل الشباب إلى التجنيد، فلا يكاد منزل يخلوا من فرد أو فردين ولجوا الخدمة العسكرية من أدنى الرتب إلى أعلاها، هربا من شبح البطالة، سواء برغبتهم آو بتوجيه من أسرهم، التي تعتبر الخدمة العسكرية الحل الأوحد الإخراج أبنائهم من آفة البطالة المتجسدة في الإدمان والانحراف، خاصة أن أبناء المناطق الجنوبية يستثنون من الوظائف الحكومية التي لم تعد تستوعب خريجي الجامعات، وما يزاد من حدث الأمر أن المغرب عمد مند سنوات خلت إلى تعزيز حضوره العسكري في المناطق الجنوبية، خاصة في ضل السياق الدولي والإقليمي الذي سقطت فيه ثلاثة أنظمة في شمال إفريقيا ( مصر، ليبيا، وتونس) وما تلاها من انفلات أمني في الدول الثلاث ناهيك عن الحرب الدائرة في مالي، وتوغل الجماعات الإسلامية في منطقة الساحل والصحراء بل وصلت إلى عمق التراب الجزائري، مما جعل سلطات الرباط تعيد للمرة الحادية عشر على التوالي، استضافة المناورات العسكرية، “الأسد الإفريقي 2018” بين المغرب والقوات الأمريكية، التي بدأت أول مرة سنة 2007، بمشاركة نخبة من قوات “المارينز” الأكثر احتكاكا بالحروب بشكل مباشر، طبعا يشارك المناورات فريق من الجنود المغاربة.
غضبة ملكية أم لعنة أزلية
في غمرت الأحداث المتتالية والمتعاقبة بالمدينة، سواء منها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والتي تتلخص مظاهرها في حالة الشوارع والأزقة المتصدعة، وانعدام الإنارة العمومية، والفوضى العمرانية، وانتشار الفقر والبؤس، وتحولها إلى مختبر لإنتاج نخب فاشلة تتصارع من أجل اغتنائها الخاص، وتنمية أرصدتها البنكية على حساب سكان المدينة، وبعد أن ارتفعت الأصوات المطالبة بالتحقق من المشاريع الضخمة على الأوراق، ومن الميزانيات الضخمة المرصودة لها سواء من وكالة تنمية الأقاليم الجنوبية، وقسم الجماعات المحلية بوزارة الداخلية، وبعد انتظار طويل لصحوة ضمائر المسؤولين والقيمين على الشأن المحلي، ظهرت أصوات أخرى تطالب بزيارة ملكية للمدينة، فقد سبق أن طالب نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي “الفايسبوك” بزيارة ملكية للوقوف على واقع المدينة، الذي لا يعكس التنمية التي ينادي بها الملك محمد السادس.
” وفي هذا الإطار، سنواصل تطبيق النموذج التنموي الخاص بهذه الأقاليم، بموازاة مع تفعيل الجهوية المتقدمة، بما يتيح لساكنة المنطقة التدبير الديمقراطي لشؤونهم، والمساهمة في تنمية منطقتهم.
فالمشاريع التي أطلقناها، وتلك التي ستتبعها، ستجعل من الصحراء المغربية قطبا اقتصاديا مندمجا، يؤهلها للقيام بدورها، كصلة وصل بين المغرب وعمقه الإفريقي، وكمحور للعلاقات بين دول المنطقة”.
–مقتطف من الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الثانية والأربعين للمسيرة الخضراء–
غير أن واقع الحال يكشف مدى التباعد بين الخطاب والممارسة، منذ أن غضب عليها الملك الراحل الحسن الثاني لكونها أنجبت بضعة شباب رفعوا السلاح في وجه السلطة المركزية، وكانوا من مؤسسي جبهة البوليساريو، ليورث غضبه للملك محمد السادس الذي ورغم زياراته المتوالية لعدد من المدن المجاورة، لم يقم بعد بزيارة مدينة الطانطان.
فكل شيئ يتغير ولا تتغير مدينة الطانطان، بسبب لا مبالاة المسؤولين وإهمالهم، ولتقاعس منتخبيها عن القيام بأدوارهم، بل جلهم يتوفرون على معامل ومصانع خارج المدينة ولا يزورونها إلا في فترة الانتخابات من أجل شراء الذمم، لتتحول خلال فترات التنافس الديمقراطي إلى حلبة للصراع الحزبي الضيق، تفضل الوزارة الوصية التعامل معه بالمنطق السياسي الغير عقلاني بمبرر الاستقرار والحفاظ على السلم والأمن والأمان، وإن كان ذالك على حساب فقرهم وتهميشهم.
[metaslider id=23170]
رئيس التحرير - كاتب رأي
صحفي مهني وناشط حقوقي، متخصص في القضايا السياسية والاجتماعية. حاصل على شهادة في الحقوق ودبلوم في القانون الخاص. ساهم في عدة منصات إعلامية وشارك في ندوات دولية مع منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان. التفاصيل في الشفحة الشخصية :
⌈ https://bit.ly/3UntScc ⌉