20 فبراير

ماذا بعد تخليد الذكرى السادسة لميلاد حركة 20 فبراير؟

ايقونة بريس | محمد المسير

 

مضت ستة سنوات على ميلاد حركة 20 فبراير النضالية، حينما أسس الشباب لمرحلة جديدة من المغرب، شباب طوّاق إلى الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، شعار صدحت به حناجرهم كصرخة مُدويّة، وقبل ذلك  بقلوبهم وأجسامهم،

ذوّبوا كل خلافاتهم، ووحـّدوا أرضية مطالبهم، أزاحوا طابوهات التنسيق والتحالف، وجسدوا مواقف لا زالت تـُحسب لها وأخرى تُحاسب عليها.

 استطاعت الحركة أن تكون تلك الروح التي تحرك ضمائرنا وتكبح نرجسيتنا، تطلق لنا العـِنان لنصرخ باسم الشعب ومع الشعب، ممّا يجعلها مسؤولية يتقاسمها الكبير قبل الصغير، ليس بمفهوم الغنيمة كما كانت تنظر إليه بعض الإطارات، ولكن بما كان يسمح لنا به التوافق مع التركيز على الالتزام، وهو الذي اخل به ما كان يسمّى “بالمجلس الوطني لدعم حركة 20 فبراير” والذي تحوّل إلى “لجنة المتابعة” لأنه لم يستطع أن يصمد في وجه الحسابات السياسية الضيّقة من داخله، بسبب التراجعات وتغيّـر المواقف، وتبادل المصالح، وضربات السلطات التي تجسدت في الاعتقالات والمتابعات وتلفيق التهم، واختراق الحركة والتشويش عليها إعلاميا، وتخوين قيادتها واستقطاب البعض الأخر.

لقد كانت وما زالت مطالب حركة 20 فبراير، مطالب مشروعة وواقعية، في شقها السياسي والاجتماعي والاقتصادي تترافع من أجلها في الفضاءات العمومية، منذ ست سنوات وإن كانت بشكل متفاوت، وذلك بفضل ما تبقى من الشباب الذي حافظ على العلاقة التكاملية في ما بينهم من أجل اكتمال مشروعهم المرهون بضبط معادلة العمل السياسي في المغرب، وهو الأمر الذي لن يتأتى دون المطالبة بتصحيح مسار التغيير الذي انحراف عن سكته الحقيقية، وتوضيح العلاقات القائمة بين الشباب المؤسسين وما أوصلوا إليه الحركة، وبين التنظيمات بمختلف أشكالها وما قوّضوا به الحركة، وبين شباب ما بعد 20 فبراير، الطموح إلى الحرية والتغير وتكسير قيود الطابوهات وتقاليد النضالات عبر خلق آليات فنية إبداعية بمضمون احتجاجي تساير اهتماماتهم وميولاتهم، ويبحثون عن شرعية الشباب كمنطلق أساسي لأي تحرك مستقبلي.

[metaslider id=17500]

لقد كان لكل فرد وجماعة، حزبية كانت أو نقابية أو جمعوية، لمستها في تغيير مسار حركة 20 فبراير، سواء اعترفت بها أم لا، فأساليب “الكولسة”، والتخوين، والتشويه، ضلت السِمة التي لازمت الحركة، سواء في فترات المد أو الجزر، أدى تراكم هذه الأخطاء وفقد البوصلة إلى التعجيل بتراجع البعض، وجعلت البعض الأخر يدخل في مبادرات عفوية وفردية، على مستوى الشبكات الاجتماعية (13 يناير 2013، الاحتجاج على ميزانية البلاط،، مهرجان موازين، حفل الولاء، حركة تمرد قهرتونا، مبادرة 26 يناير 2014.. )، غير أن كل ذلك لم ينل من مشروعية مطالب الحركة، بل استطاعت هذه الأخيرة بفضل سِلميتها وراهنية مطالبها، أن تستقطب إلى العمل السياسي فئات واسعة من الشباب، ممّن ليس لهم أي انتماء حزبي أو سياسي. كما استطاعت الحركة أن تجمع من حولها وداخلها قوى سياسية عديدة، على الرغم من تباين مرجعياتها، وأثبتت الحركة قدرة فائقة في تأطير الشارع، والحفاظ على سِلمية الاحتجاجات، وتوسيع مجال المشاركين فيها، لتصل إلى 100 مدينة وقرية، ونزول مئات آلاف المواطنين إلى الشوارع، في وقت موحّد وفي أماكن مختلفة، مع التفنن في الهتافات والشعارات أبرزها “الشعب يريد إسقاط الفساد والاستبداد”.

ففي الوقت الذي يرى فيه الكثير من الشباب أن الحديث عن مستقبل الحركة وآفاقها، أمر يصعب الخوض فيه، واعتبارهم أن الأمر خاضع للسياقات والتحوّلات الذاتية والموضوعية، فلا يعني ذلك ألا تستشرف الحركة مستقبلها في ظل التحوّلات السياسية الراهنة التي يعرفها المغرب، وألا تفتح جسر التواصل في ما بينهم، فلم يكن انسحاب حركة 20 فبراير من الساحات، فشلاً ولا تراجعاً ولا موتاً “كلينيكياً” كما يعتقد البعض، لأن الحركة تعي جيدا أن عدم تحقيقها لجميع أهدافها يرجع إلى ضعف إستراتيجيتها التعبوية في صفوف المواطنين والمكوّنات السياسية والمدنية على السواء، والتي لها مطالب متفاوتة، فمن الأجدر بالحركة أن تعي جيدا طبيعة هذه النضالات، وأن تعمل على مزيد من التلاحم وتدليل الخلافات والصعاب، لتحقيق مجتمع الديمقراطية، كما نادت به الحركة منذ 2011، ووضع حد لنظام الاستحواذ على الثروات وإقرار نظام ديمقراطي مبني على مؤسسات تمثيلية لطموحات الشعب، وتضمن رقابته على قراره وثرواته، من خلال القطع مع خيارات المؤسسات الاقتصادية الدولية، وسَنّ سياسات تضع حدا للنهب المستشري، وتضع ضمن أولياتها تلبية الحاجيات الضرورية للمواطنين وتحسين مستوى عيشهم وحياتهم ومعارفهم.

Print Friendly, PDF & Email
Author profile

صحفي مهني وناشط حقوقي، متخصص في القضايا السياسية والاجتماعية. حاصل على شهادة في الحقوق ودبلوم في القانون الخاص. ساهم في عدة منصات إعلامية وشارك في ندوات دولية مع منظمات المجتمع  المدني وحقوق الإنسان ( تفاصيل السيرة الذاتية)