طنجة الاصيلة

طنجة المغربية نضج ثقافي يختلف من جيل إلى جيل

©إيكون بريس - وصال الشيخ

 

 

حين شكلت الجاليات الأجنبية نصف سكان طنجة

بين جيل وجيل تعيش طنجة نضجاً ثقافياً مختلفاً. فقد وسم القديم مساهمة الجاليات الأجنبية في تحريك الفعل الثقافي. أما الآن فلم يعد الفعل الثقافي حكراً على المؤسسات الأجنبية أو الهيئات الوطنية، بل أصبح بإمكان المجتمع المدني صناعة الحدث الثقافي بالمدينة. وصال الشيخ تسلط الضوء لموقع قنطرة على المشهد الثقافي في طنجة، وعلى انتقاد لمن يفضل دفع يورو ونصف مقابل فنجان قهوة في مقهى على شراء كتاب بأربعة يوروهات.

اختلفت المدينة عندما افتتحت بها مقاهي جديدة تسُمّى “Salon du the” أي قاعات الشاي التي تستخدم ماكينة ضاغطة لصناعة كوب قهوة أو الشاي. هكذا تعصرنت مدينة طنجة وأصبح لديها مقاهي “شعبية” وأخرى كثيرة جداً ذات صفة عصرية، من بينها يوجد مقهى واحد تحت مسمّى “ثقافيّ” يقبع في المدينة القديمة. 

تشيع ثقافة المقاهي على ثقافة حمل الكتاب بمدينة طنجة شمال المغرب، وتشيع على حساب اهتمامات تربي الذوق والسمو الحضاري، فالمدينة تنمو اقتصادياً وعمرانياً بشكل مهول يتجاوز السرعة الطبيعية لنموّ المدن أو الإنسان فيها. 

نعود للـ”الزمن الجميل”، وقتما كانت طنجة مدينة دولية حيث شهدت طفرة ثقافية ساهمت بجعلها استثناءً مكانياً حضر في مخيلة كتّاب وفنانين عالميين ومحليين. لم يبقَ أحد منهم تقريبا، بول بولز، هنري ماتيس، ويليام بوروز، محمد شكري وأسماء لا حصر لها تُوُفيَت جميعها، وظلّ إرثهم صورة المدينة المقدسة، البوابة الحقيقية للتعبير عن جوّها الثقافيّ حينها. 

جوّ معرفيّ- ثقافيّ تاريخي: “لقد كان جوّ المدينة معرفيّ- ثقافيّ، أغناها تنوع الجاليات والإثنيات وكلّ يحترم عقيدة الآخر، وكان الإسبانيون أكبر وأقدم جالية بعدد يقدر بِخمسين ألف إسباني وهم أول من أحضر الآلات التقنية إلى طنجة بعد الحرب الأهلية الإسبانية سنة 1936، كذلك مارسوا الفلاحة والصناعة والثقافة، وبنوا مسرح سيرفانتس عام 1913، وقد اكتسب منهم المغاربة تقنيات المسرح وشكلوا بدورهم فرقة “صلاح الدين” المسرحية وجمعية خاصة بهم”.

لم أنخرط في المدرسة لكن والدي أورثني حبّ القراءة”

يدعم هذا الإرث ذاكرة جمعية- شعبية ما زالت تمارس سلطة على الواقع الثقافي عند مقارنته بالماضي. لم تنفك المدينة من هذه الذاكرة، يقول الحاج نوفل بوهوت الذي عاش بالمدينة منذ عشرينيات القرن الماضي لموقع قنطرة: “خالفت رغبة والدي في القراءة، فلم أنخرط في المدرسة أو المسجد لأصبح متعلّماً وكنت أفضل الحرية، لكنه أورثني حبّ القراءة عندما كنت أشاهد الكتب معه على الدوام. 

أقول لأصدقائي دوما: “لقد أنهيت المرحلة الإعدادية في سينما (ألكازارو كابيتون) نهاية ثلاثينيات الماضي والثانوي في سوق (ادّبرا) والدكتوراه في (سوق الداخل). كغيري بدأت أدخل إلى السينما في سنّ العاشرة لمشاهدة أفلام إسبانية حيث عشقنا المغنية مورينا كلارا، حينها كانت تزدحم القاعة”…”لقد كان جوّ المدينة معرفيّ- ثقافيّ، أغناها تنوع الجاليات والإثنيات وكلّ يحترم عقيدة الآخر، وكان الإسبانيون أكبر وأقدم جالية بعدد يقدر بِخمسين ألف إسباني وهم أول من أحضر الآلات التقنية إلى طنجة بعد الحرب الأهلية الإسبانية سنة 1936، كذلك مارسوا الفلاحة والصناعة والثقافة، وبنوا مسرح سيرفانتس عام 1913، وقد اكتسب منهم المغاربة تقنيات المسرح وشكلوا بدورهم فرقة “صلاح الدين” المسرحية وجمعية خاصة بهم”. 

مسرح لمواجهة الهيمنة الغربية والتعبير عن تطلعات الفئات الشعبية

في سياق تطور الحركة المسرحية، استطاع رواد المسرح أواخر العشرينيات أن يؤسسوا مسرحاً لمواجهة الهيمنة الغربية والتعبير عن تطلعات الفئات الشعبية، يقول أستاذ التعليم العالي بجامعة الملك السعدي، خالد أمين: “بالنظر إلى وضع طنجة الدولي بين 1923 و1956، فقد فرض حالة ثقافية استثنائية في المدينة؛ إذ شكلت الجاليات الأجنبية أكثر من 50% من السكان. وكانت الأنشطة الثقافية والفنية (بما فيها المسرحية) في مجملها موجهة إلى الأجانب، كما برزت إلى الوجود فرق مسرحية مغربية في أواخر العشرينيات، وقدمت عروضاً ممانعة للجمهور الطنجاوي المغربي حينها”.

ويضيف: “ومع زيارة الأديب والسياسي اللبناني شكيب أرسلان للمدينة التي تزامنت مع اختلاق السلطات الاستعمارية  للظهير البربري، وبروز طنجة  آنذاك بوصفها أحد المعاقل المهمة للحركة الوطنية؛ ازداد منسوب المقاومة في الحركة المسرحية بخاصة نظراً لقدرة المسرح على مخاطبة الجمهور الواسع باعتماد نصوص فارقة مثل “صلاح الدين الأيوبي”، بذلك نجد أن الحركة المسرحية بدأت غربية، ولكن سرعان ما تم تملكها واستعادتها من لدن الرواد المغاربة لتصبح سلاحاً ذا حدين: يواجه الهيمنة الغربية من جهة، ويعبر عن تطلعات ومعاناة الفئات الشعبية من جهة ثانية”.

المدينة تُعلّم أيضا، فلم يكن تنقصها الكتب أو الصحف التي كانت تصل من مصر ولبنان، يقول الحاج بوهوت: “كنت أتابع كتابات الطنجاوي عبد القادر الشط في جريدة المصري، وكنت أطالع صحف الهلال والمصور والعالم ومجلات إسبانية كذلك، كذلك سلسلة “اقرأ” الصادرة عن “دار المعارف” المصرية والأدب المصري المرافق لبروز طه حسين وتوفيق الحكيم”

Print Friendly, PDF & Email
Author profile
رئيس التحرير - كاتب رأي | lmossayer@iconepress.com | https://bit.ly/3QSuFzV

رئيس التحرير - كاتب رأي

صحفي مهني وناشط حقوقي، متخصص في القضايا السياسية والاجتماعية. حاصل على شهادة في الحقوق ودبلوم في القانون الخاص. ساهم في عدة منصات إعلامية وشارك في ندوات دولية مع منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان. التفاصيل في الشفحة الشخصية :

⌈ https://bit.ly/3UntScc ⌉