ربورتاج: صخب الموسيقى الشبابية في المغرب يكسر جدار الصمت والمحظور

ورززات – محمد المسير

قد تظن من الوهلة الأولى أنهم جماعة سرية، وقد تستغرب من مظاهرهم سواء من خلال اللباس أو من خلال الاكسوارات التي يرتدونها تحمل رموز على شكل جماجم أو زواحف أو اشكال هندسية، مع تسريحة الشَعر المتطاير.

إنهم مجموعة من الشباب ينتمون إلى فصيلة “الهارد روك” الموسيقية، يميلون إلى هذا الفن كنوع من التصوف الروحي.  

 في يوم الجمعة من 25 مارس الماضي، حجا العشرات من هؤلاء الشباب من مختلف المدن  لملاقاة مدينة ورززات حيث كانوا على موعد مع مهرجان أطلقوا عليه اسم ” الهارد زازات”.

فبالرغم من اختلاف سنهم وتوجهاتهم وحتى الوانهم  الموسيقية أو الغنائية إلا أن هذا النوع من الفن أو الموسيقى جمع فيما بينهم.

مدينة السينما والفنون تحتضن شباب “الهارد روك”

ارتبط اسم مدينة  ورززات أو هوليود إفريقيا كما يحلوا للبعض تسميتها، بأضخم الافلام السينمائية الأمريكية، ونالت الشهرة الشاسعة في المجال السينمائي حيث تم التمثيل أفلام ترشحت للنيل جائرة الأوسكار.

12719232_558605560975002_1364834389793458946_o

فرق “الراب” تتجمع فوق خشبة المهرجان

فهي مدينة تقع بالجنوب الشرقي للمغرب، وتنتمي الى جهة سوس ماسة درعة، بنية انطلاقا من عام  1920 ميلادية ويطلق عليها اسم ( ورززات ) وتعني “المدينة الهادئة” ورغم طابعها الهادئ  فقد تحولت إلى هوليود المغرب  بعد أن اصبحت في السنوات الأخيرة قبلة لعدد من المخرجين والمنتجين السينمائيين العالميين لتصوير أفلامهم، أما الساكنة فقد  دفعها  ضيق العيش وقلة فرص الشغل الى العمل بمهمة الكومبارس، رغم أجرها الزهيد.

في هذه المدينة انخرط عدد من الشباب في الإعداد لمهرجان “هارد زازات ” في نسخته الثانية لموسيقى” الهارد روك” .

يقول “أمين دوريدي” وهو أحد منظمي المهرجان المذكور، إن فكرة اختيار مدينة وارززات بالضبط لإقامة المهرجان تعود للصدفة ، قائلا “اجتمعنا مصادفة نحن مجموعة من الشباب في احد الاقسام الدراسة بالكلية حيث ندرس الأن، نحب ثقافة “الاندركراوند”، وكنا نتشارك على مواقع التواصل الاجتماعي اغاني وموسيقى الهيب هوب والميثال وثقافة الغضب والاحتجاج، بعدها فكرنا في خلق فضاء نستطيع من خلاله مشاركة هذه الثقافة مع الأخرين”.

وأضاف أمين قوله ”  لذلك جاءت مبادرة (festival DIY) وهو مفهوم ظهر سنة 1970 في ثقافة “الـبـانـك” حيت كانت ترفض هذه الفئة داخل المجتمع دون اعطائها أي فرصة لتقديم نفسها، فالتجأوا إلى المنازل المهجورة والمستودعات المتهالكة، ولهذا انخرطنا بشكل جميع في جمع الدعم والمساهمات المادية وقد تمكنا من إنجاح النسخة الثانية للمهرجان” يقول أمين.

شباب يقاوم التعتيم ويشكو التهميش !

أمين تطرق في حديثه لـ” إيقونة بريس”  الى إشكالية الدعم والتهميش الذي يلقونه إزاء محيطهم، مؤكدا أن المحيط الاجتماعي من الصعب أن يتفهم هكذا أمور فنية وبأساليب خارجة عن المألوف.

أمين يقول، إن هذا النوع من الموسيقى يدفع للعمل والنضال، معتبرا إيقاعاتها تتضمن شحنة معنوية خاصة تميزها عن بقية الايقاعات الموسيقية الأخرى” مشيرا  أنها تلقى  صدى طيبا وتفاعلا ايجابيا  لدى الشباب المغربي لاسيما المتمرد منه على محيطه”.

يروي أمين، أن مبادرة الشباب هذه لا تلقى أي دعم من وزارة الثقافة أو السلطات المغربية، بل يضطرون إلى جمع تبرعات فيما بينهم لتنظيم سهرات ” الاندركراوند” مؤكدا أنهم وجدوا وصعوبة في إيجاد فضاءات عمومية او قاعات لتنظيم أنشطتهم الفنية.

من “الهارد روك” إلى “الهارد زازات”

بالرغم من المعيقات التي يشتكي منها الشباب المنظم للمهرجان، أصروا على تنظيم نشاطهم الشبابي بمدينة ورززات الذي اطلقوا عليه تسمية ” الهارد زازات” وهو المهرجان الذي استمر لمدة ثلاثة ايام، ابتداءَ 25 إلى 27 من مارس الماضي، بالحي المحمدي المجاور لكلية متعددة التخصصات التابعة لجامعة إبن زهر، وعرف مشاركة عدد كبير من الشباب بعدد من المدن المغربية على انغام (الهيب هوب، والروك، والميتال، والتيكنو، والهاوس، والسلام….).

و تضمن المهرجان ورشات “الكرا فيتي”  عبر الكتابة على الجدران برحاب الكلية، وورشات المسرح  والرقص والسرك، بهدف اشراك الطلبة والشباب مع عرض اشرطة  (STOONET-CASANAIDA) وهي أنشطة لقت تجاوب كبير من خلال انخراط الشباب في جل الانشطة وفي النقاشات المفتوحة حول الفن البديل مجسدين مقولة “بقدر ما تنغمس موسيقانا في القضايا المباشرة ونبض الشارع  تكون حقيقية وأصيلة”.

12888715_10153881715267247_8987095122386464161_o

مشاركة فرقة “holy hoster” بمهرحان “هارد زازات ّ

” الأندر كراوند” في المغرب من أجل التغيير

يقصد بـ ” الأندر كراوند” “فن المعارضة” وهي كلمة تعني في اللغة الانجليزية “تحت الأرض”، وتطلق على الفرق المستقلة بسبب الدولة، التي لم ترعها ولم تعطها فرصا للظهور لتظل دفينة تحت الأرض.

بدأ ظهور هذه الفكرة في الولايات المتحدة الأمريكية في منتصف الستينيات في الشوارع الخلفية، وكانت تهدف إلي التعبير عن المشاعر السلبية التي عانتها النخبة المثقفة، ومنذ 40 عامًا قام بعض الهواة في بريطانيا بالعزف على أرصفة محطات مترو الأنفاق تحت الأرض، هذه الخطوة البسيطة وحدها كانت كفيلة لجعلهم رواد حركة الـ”Under Ground”، ومن بريطانيا إلي ألمانيا  وأمريكا ، إلى بقية أنحاء العالم.

يقول “كاتريس” وهو أحد الشباب المشاركين في الدورة الثانية لمهرجان “هارد زازات” صنف “الهيب هوب” هناك اشياء في مجتمعنا لا يمكن الحديث عنها لأنها تصنف ضمن “المحرمات”، لكن الموسيقى هي أفضل طريقة للتعبير عنها وكشف معاناة الشباب دون قيود أو شروط”.

في مدح التهميش..

يتنظم هؤلاء الشباب في مجموعات موسيقية، يتمرنون في منازلهم، أو في أماكن مهجورة، بسبب عدم توفر بنيات تحتية تمكن الموسيقيين من ممارسة هواياتهم، دون التدخل في الوانهم الموسيقية التي يختارونها كتعبير عن انفعالاتهم واحلامهم، ودون ممارسة الرقابة  القانونية أو الأخلاقية على كلماتهم، التي تنتقد في مجلها سياسة التفقير والبطالة  والأمية والامراض المنتشرة  في المجتمع.

يبدو أن أغلب شركات الإنتاج يرفضون هذا النوع من الأغاني والموسيقى ويرون استحالة نجاحها في المغرب لذا فهم يطلبون تقديم نوع الموسيقى معين لا يعلوا على الثقافة الخصوصيات.

وكانت السلطات المغربية في سنة 2003 خلال شهر أبريل أقدمت على اعتقال 13 شابا أغلبهم موسيقيون من هواة “الميطال”، بتهمة “عبادة الشيطان” و “زعزعة عقيدة مسلم”.

IMG_20160327_145326

احدى الروسومات الجرافيتية ازالتها ادارة الجامعة بعد رسمها بمبرر اخلالها بالأداب

مهرجانات تنال رضا السلطات

كثيرة هي تلك المهرجانات التي تسارع العديد من الفعاليات المدنية والجمعوية  وحتى السياسية الى تنظيمها في عدد من المدن المغربية، ويسعى المنظمون من خلالها الى منح إشعاع دولي لاسم المغرب والترويج له من الناحية السياحية، واستقطاب أعداد كبيرة من النجوم العالميين، مثل مهرجان “موازين” أو مهرجان السينما بمراكش أو “تيميتار” أو مهرجان “كناوة” وهي مهرجانات تصرف عليها ميزانيات هامة وضخمة.

وتشير الإحصائيات إلى أن عدد المهرجانات التي تنظم في المغرب على مدار السنة يتجاوز 200 مهرجان، أقلها تكلفة تبلغ ميزانيته 62 مليون درهم على الأقل، بينما تصل تكلفة بعضها إلى ملايير السنتيمات، وهو ما يتسبب في إثارة جدل كبير واتهامات من فعاليات مدنية وحقوقية بالبذخ «الخاوي» وتبذير المال العام على سهرات يتقاضى نجومها أموالا طائلة في الوقت الذي تحتاج المناطق والمدن التي تنظم فيها إلى بنيات تحتية ومصحات ومدارس، ويعاني أبناؤها العطالة والعوز والفقر المدقع.

“هارد زازات”..الثقافة بديلة

نبيل بلكبير يعتبر مهرجان “هارد زازات”  خشبة بديلة بالمغرب، ينظم في مكان لا يستقبل عادة مهرجانات من هذا القبيل، وينظم بروح المقاومة والبدائل “للأندر كراوند” حيث لا يحتاج الحضور إليه الى تذكرة، أو حدود بين الخشبة والجمهور، كما أن المضمون مغاير للمقاييس الموجودة في المجتمع المغربي.

ويضيف بلكبير شاركت بهذا المهرجان لأني ارى أنه من الضروري دعم مثل هذه المبادرات لأنها في نفس الوقت دعم للفنانين والموسيقيين الشباب الموجودين بالمغرب والذين لا تتوفر لهم امكانية  التعبير عن أراءهم وميولتهم الفنية سواء في المسرح أو السرك أو الكرافيتي أو الميطال أو الموسيقى الالكترونية أو الهيب هوب. كما أن “هارد زازات” من المهرجانات  القليلة التي تسمح للشباب بمشاركة همومهم مع الجمهور وإيصال الرسائل التي عادتا ما تكون معاكسة للثقافة السائدة والتي في نفس الوقت قد لا تسمح باستمرار مثل هذه المهرجانات.

[metaslider id=6068]

Print Friendly, PDF & Email
Author profile

صحفي مهني وناشط حقوقي، متخصص في القضايا السياسية والاجتماعية. حاصل على شهادة في الحقوق ودبلوم في القانون الخاص. ساهم في عدة منصات إعلامية وشارك في ندوات دولية مع منظمات المجتمع  المدني وحقوق الإنسان ( تفاصيل السيرة الذاتية)